الانطلاق من كل قيد، فهذا ضعف وفوضى كما قرر ذلك كل الفلاسفة، والضعف من أخلاق العبيد كما قرر نيتشه، لكنها تعني في مفهومه انطلاق الإنسان من كل ما من شأنه إعاقته عن الوصول إلى الإنسان الكامل (السوبرمان) الذي بشر به في كتابه العظيم: هكذا تكلم زرادشت.
ومن أعجب ما في هذا الرجل أنه حارب العقل والنقل معا! في حين أجهد غيره من الفلاسفة (في الشرق والغرب) أنفسهم في محاولة التوفيق بين هذين الأقنومين لفهم الطبيعة، ومحاولة إدراك ما وراء الطبيعة.
هل أصاب نتشه؟ هل أخطأ؟ لا شك أنه أخطأ وأصاب، مثل غيره من الفلاسفة لكن تبقى له ولغيره تلك المحاولة الرائدة لفهم الطبيعة الإنسانية، والعمل على فصلها عما وراء الطبيعة، ثقة بالقدرة الإنسانية وحدها، وقد مضى في طريقة مستهينا بالفلسفة الأخلاقية العامة والمقدسات الدينية، بل حتى العقلانيات والأصول الفلسفية المتعارف عليها.
وأن نتفق معه أو نختلف اليوم، فذلك لا يعني الكثير بالنسبة له، لكنه يعني لنا نحن، ومما يعنيه: مدى قدرتنا على فهم الآخر واستيعابه.
كنت أنوى أن أعابث الصديق الكريم غربي، فأذكره أن صديقه الفيلسوف قضى سنواته الأخيرة مجنونا بين المصحات وعناية أمه وأخته، ولكني علمت أنه سيقول لي: أصيب بالجنون عام 1890، ولم يكتب كلمة واحدة منذ ذلك التاريخ وحتى وفاته عام 1900، وما تركه لنا وهو عاقل يستحق أن نفكر فيه معا وسأجيبه: صدقت. نشوفكم على خير.
قال العاملي:
غشمرة هذا، مثقف من الرياض، يميل إلى الفكر السلفي ولا يؤمن به، وخطه