لو تأملوا هذه النطفة التي كانت في أولها ذرة لا يدركها الطرف، فاقدة لجميع الأعضاء والقوى الإنسانية، وإذا بها تتجهز بأنواع الأجهزة، للحياة خارج الرحم!
لقد تم ذلك في عمليات دقيقة داخل أجهزة محيرة، أنشأت لها نبض القلب، ثم توجت تطويرها فأضاءت لها سراج العقل!
فمن الذي أنشأ سفر هذا الإنسان، فجعله كتابا حافلا بالعقل والشك واليقين؟ وأي قلم كتب صفحات هذا الكتاب وحرر سطوره بعلم وقدرة على قطرة من ماء مهين؟! فلينظر الإنسان مم خلق؟ خلق من ماء دافق. (الطارق: 6). يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون. (الزمر: 6). أروي لك أيها الأخ العلماني عن أهل البيت الطاهرين عليهم السلام ما فيه غذاء للعقل:
1 - دخل رجل من الزنادقة على الإمام الرضا عليه السلام فقال له: (رحمك الله أوجدني كيف هو وأين هو؟ فقال: ويلك إن الذي ذهبت إليه غلط، هو أين الأين بلا أين، وكيف الكيف بلا كيف، فلا يعرف بكيفوفية ولا بأينونية، ولا يدرك بحاسة، ولا يقاس بشئ!
فقال الرجل: فإذا إنه لا شئ، إذا لم يدرك بحاسة من الحواس!
فقال أبو الحسن عليه السلام: ويلك! لما عجزت حواسك عن إدراكه أنكرت ربوبيته؟! ونحن إذ عجزت حواسنا عن إدراكه أيقنا أنه ربنا بخلاف شئ من الأشياء.
قال الرجل: فأخبرني متى كان؟ قال أبو الحسن: أخبرني متى لم يكن فأخبرك متى كان! قال الرجل: فما الدليل عليه؟ فقال أبو الحسن: إني لما نظرت إلى جسدي ولم يمكني فيه زيادة ولا نقصان في العرض والطول، ودفع المكاره عنه وجر المنفعة إليه، علمت أن لهذا البنيان بانيا، فأقررت به.