وإن النبي الكريم إذا روت شفتيه وهو على الأرض، شفتا الحسين من ريحانة الجنة، فإن شفتي الحسين وهو في الجنة ترويان شفتي النبي من رائحة الشهادة والحق، ولعل توزن رائحة الريحان في الجنة برائحة الحق والشهادة.
وأما الإمام المكرم وجهه، فلم يكن فرحه والحسين الطفل في حضنه بأعظم من فرحه وليس في حضنه من الحسين إلا رأس الحسين! إذ انتقل الحسين من الطفولة البريئة في المشهد الأول إلى الومض في المشهد الثاني.
الحق.. والشهادة..
من كربلاء حتى الجنوب، الجنوب المشبع بهما، لأنه مشبع بالحسين، ويا لوطن يلتقي فيه حقا السماء والأرض.. وشهادتا الدين والدنيا، فلا يضيع الجنوب أصحابه، لأنهم عندئذ يكونون قد رجعوا إلى حيث لم يرجع الحسين، ويكونون قد سلمت رؤوسهم وعاشوا بيدين، ولكن لا في تلك الحق ولا في هذه الجنة.
(5) كربلاء.. يا مساحة المرارة وموشحة الحزن وغرف الغمام العراقية، وشبابة الفرات التي بحت وما شربت، وحارسة المصابيح التي اشتعلت بزيت مسارج الجنة، خذي الدفء من وجه رباب.. والحنان من فؤاد سكينة.. ومن فاطمة الذراع العف.. ومن زينب رقة الأخت، ورققي حواشي الريح، واملأي الأباريق، ولكن.. لا تمدي الوسادة الزينبية، وإنما هبيني.. لمرة أرح رأس الحسين على يدي.
* *