شرح إحقاق الحق - السيد المرعشي - ج ٣٢ - الصفحة ٣٨١
أنا الذي سمتني أمي حيدرة * كليث غابات شديد القسورة أكيلكم بالسيف كيل السندرة فحمل مرحب على علي رضي الله عنه وضربه فطرح الترس من يده، فتناول علي بابا كان عند الحصن فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده وهو يقاتل حتى فتح الله عليه الحصن.
ثم إن عليا كرم الله وجهه ضرب مرحبا، فتترس فوقع السيف على الترس، فقده وشق المغفر وفلق هامة مرحب حتى أخذ السيف في الأضراس.
وإلى ذلك أشار بعض الشعراء في قوله:
وشادن أبصرته مقبلا فقلت * من وجدي به مرحبا قد فؤادي في الهوى قدة * قد علي في الوغى مرحبا ثم إن الله تعالى فتح ذلك الحصن، وهو حصن ناعم، أول حصون النطاة على يد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وتتابع الفتح، وسقطت حصون خيبر واحدا تلو الآخر، وهي: النطاة والصعب وناعم وقلعة الزبير والشق والقموس وبري وحصن أبي والوطيح والسلالم.
وقال الفاضل المعاصر محمود شلبي في كتابه " حياة الإمام علي عليه السلام " (ص 20 ط دار الجيل في بيروت):
عن سهيل بن سعد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين هذه الراية غدا رجلا يفتح الله على يديه يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطى فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقالوا: علي يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: فأرسلوا إليه. فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع.
فأعطاه الراية فقال علي: يا رسول الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا؟ فقال: أنفد على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من الله فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير من أن يكون لك حمر النعم.
أين علي؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عليا لماذا؟ لأنه هو وحده المرشح لتلك المهمة التي عجز عنها أصحابه رضي الله عنهم، وهذه شهادة ليس كمثلها شهادة.
إن عليا خلاصة الأبطال، رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله.
تاج المجد فوق رأس أمير المؤمنين مرصع بلآلئ ليس كمثلها لآلئ، ومن تلك اللآلئ هذه اللؤلؤة النادرة.
عن أبي بريدة يقول: حاصرنا خيبر فأخذ الراية أبو بكر ولم يفتح له، فأخذها من الغد عمر فانصرف ولم يفتح له وأصاب الناس شدة وجهد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني دافع لوائي غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح له، وبتنا طيبة أنفسنا أن الفتح غدا، فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الغداة ثم جاء قائما ورمى اللواء والناس على أقصافهم فما منا انسان له منزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو يرجو أن يكون صاحب اللواء.
فدعا علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو أرمد فتفل ومسح في عينيه، فدفع إليه اللواء وفتح الله عليه.
إني دافع لوائي غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله لا يرجع حتى يفتح له.
غيوب لا يعلمها إلا الله ورسوله يذيعها صلى الله عليه وسلم مقدما وقبل أن تحدث وقد حدثت كما قال إلى رجل إلى بطل ليس كمثله وكلمة رجل هنا بمعنى بطل بلغ الغاية من محاسن البطولة.
سيف علي عن بريدة الأسلمي قال: لما كان يوم خيبر ونزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بحصن أهل خيبر أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواء عمر فنهض فيه من نهض من الناس فلقوا أهل خيبر فانكشف عمر وأصحابه فرجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لأعطين اللواء رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، فلما كان من الغد تصادر أبو بكر وعمر فدعا عليا وهو أرمد فتفل في عينيه ونهض معه من الناس فلقي أهل خيبر فإذا مرحب يرتجز:
قد علمت خيبر إني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب إذا الليوث أقبلت تلهب * أطعن أحيانا وحينا أضرب فاختلف هو وعلي ضربتين فضربه على هامته حتى مضى السيف منها منتهى رأسه وسمع أهل العسكر صوت ضربته فما تتام آخر الناس مع علي حتى فتح لأولهم.
هذا مثال واحد من عجائب ضربت سيفه عليه السلام، حتى مضى السيف منها منتهى رأسه فلما هوى مرحب هوى من وراءه واستسلموا سراعا - إلى أن قال:
هاهو الإمام الحسن يصف أباه فماذا قال؟
عن هبيرة بن هديم قال: جمع الناس الحسن بن علي وعليه عمامة سوداء لما قتل أبوه فقال: لقد كان قتلتم بالأمس رجلا ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله ويقاتل جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ثم لا ترد رايته حتى يفتح الله عليه.
ما ترك دينارا ولا درهما إلا تسعمائة أخذها عياله من عطاء كان أراد أن يبتاع بها خادما لأهله.
جمال عجيب يترقرق من فم الإمام الحسن ووصف دقيق عميق سحيق يوشك أن يكون أصدق وصف لشخصية الإمام عليه السلام ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ومعنى هذا أنه رجل ليس كمثله رجل.
وقال الشيخ آل الشيخ في " فتح المجيد شرح كتاب التوحيد " (ص 99 ط دار القلم) قال عند شرح الحديث الشريف:
قال: ولهما عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يفتح الله على يديه. فبات الناس يدوكون ليلتهم، أيهم يعطاها. فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها. فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقيل:
هو يشتكي عينيه. قال: فأرسلوا إليه، فأتي به فبصق في عينيه ودعا له، فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية وقال: انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم.
يدوكون أي يخوضون.
قوله " عن سعد بن سهل " أي ابن مالك بن خالد الأنصاري الخزرجي الساعدي، أبي العباس صحابي شهير، وأبوه صحابي أيضا، مات سنة ثمان وثمانين وقد جاوز المائة.
قوله " قال يوم خيبر " وفي الصحيحين عن سلمة بن الأكوع قال: كان علي رضي الله عنه قد تخلف عن النبي صلى الله عليه وسلم في خيبر، وكان أرمد فقال: أنا أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فخرج علي رضي الله عنه فلحق بالنبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان مساء الليلة التي فتح الله عز وجل في صباحها قال صلى الله عليه وسلم: لأعطين الراية أو ليأخذن الراية غدا رجل يحبه الله ورسوله، أو قال: يحب الله ورسوله يفتح الله على يديه. فإذا نحن بعلي وما نرجوه، فقالوا: هذا علي، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية ففتح الله عليه.
قوله " لأعطين الراية " قال الحافظ في رواية بريدة: إني دافع اللواء إلى رجل يحبه الله ورسوله، وقد صرح جماعة من أهل اللغة بترادفها، ولكن روى أحمد والترمذي من حديث ابن عباس: كانت راية رسول الله صلى الله وسلم سوداء ولواؤه أبيض ومثله عند الطبراني عن بريدة. وعند ابن عدي عن أبي هريرة وزاد مكتوب فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله. قوله " يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله " فيه فضيلة عظيمة لعلي رضي الله عنه - إلى أن قال:
قوله " يفتح الله على يديه " صريح في البشارة بحصول الفتح، فهو علم من أعلام النبوة.
قوله " فبات الناس يدوكون ليلتهم " بنصب " ليلتهم " و " يدوكون " قال المصنف:
يخوضون. أي فيمن يدفعها إليه. وفيه حرص الصحابة على الخير واهتمامهم به، وعلو مرتبتهم في العلم والإيمان.
قوله " أيهم " هو برفع أي على البناء لإضافتها وحذف صدر صلتها.
قوله " فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يعطاها " وفي رواية أبي هريرة عند مسلم أن عمر قال: ما أحببت الإمارة إلا يومئذ. - إلى أن قال:
قال شيخ الإسلام: إن في ذلك شهادةالنبي صلى الله عليه وسلم لعلي بإيمانه باطنا وظاهرا وإثباتا لموالاته لله تعالى ورسوله ووجوب موالاة المؤمنين له - إلى أن قال:
قوله " فقال: أين علي بن أبي طالب؟ " فيه سؤال الإمام عن رعيته، وتفقد أحوالهم.
قوله " فقيل هو يشتكي عينيه " أي من الرمد، كما في صحيح مسلم عن سعد بن أبي وقاص فقال: ادعوا لي عليا فأتي به أرمد الحديث، وفي نسخة صحيحة بخط المصنف فقيل هو يشتكي عينيه، فأرسل إليه مبني للفاعل، وهو ضمير مستتر في الفعل راجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ويحتمل أن يكونا مبنيا لما لم يسم فاعله.
ولمسلم من طريق إياس بن سملة بن الأكوع عن أبيه قال: فأرسلني إلى علي فجئت به أقوده أرمد قوله " فبصق " بفتح الصاد، أي تفل.
قوله " ودعا له فبرأ " هو بفتح الراء والهمزة، أي عوفي في الحال، عافية كاملة كأن لم يكن به وجع من رمد ولا ضعف بصر.
وعند الطبراني من حديث علي: فما رمدت ولا صدعت منذ دفع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الراية، وفيه دليل على الشهادتين.
قوله " فأعطاه الراية " قال المصنف: فيه الإيمان بالقدر لحصولها لمن لم يسع، ومنعها عمن سعى.
وفيه: أن فعل الأسباب المباحة أو المستحبة لا ينافي التوكل.
قوله " وقال انفذ على رسلك " بضم الفاء. أي أمض، ورسلك بكسر الراء وسكون السين، أي على رفقك من غير عجلة. وساحتهم فناء أرضهم وهو ما حولها.
وفيه: الأدب عند القتال وترك العجلة والطيش، والأصوات التي لا حاجة إليها. - إلى أن قال:
قوله " وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه " أي في الإسلام - إلى أن قال:
قوله " فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم " أن مصدرية واللام قبلها مفتوحة لأنها لام القسم. وأن والفعل بعدها في تأويل مصدر، رفع على الابتداء والخبر وحمر بضم المهملة وسكون الميم، جمع أحمر. و " النعم " بفتح النون والعين المهملة، أي خير لك من الإبل الحمر. وهي أنفس أموال العرب - إلخ.