واندفع علي عليه السلام إلى حصن الناعم في مقدمة الجيش، فما أن رآهم اليهود حتى خرجوا إليهم، يسبقهم فارس مقدام، عليه مغفر يماني قد ثقب مثل البيضة على رأسه، وهو يمتشق من السلاح سيفا ودرعا ورمحا وخناجر على جانبيه، فكان كأنه في إقدامه يهب الموت لعدوه قبل أن يلقاه.
وقبل أن يقترب ذلك الفارس صرخ علي عليه السلام باليهود، داعيا إياهم إلى الإسلام، فذهبت صرخاته أصداء في الفضاء، لا تقع في مسامع العدو موقع قبول ولا رضى، وكان الفارس اليهودي قد اقترب من صفوف المسلمين وأخذ يرتجز:
قد علمت خيبر أني مرحب * شاكي السلاح بطل مجرب أطعن أحيانا وحينا أضرب * إذا الليوث أقبلت تلهب إن حماي للحمى لا يقرب فانطلق علي عليه السلام للقائه بقوة المؤمن الصادق، وبعنفوان البطل الأبي، وهو يرد عليه راجزا:
أنا الذي سمتني أمي حيدرة * أكيلكم بالسيف كيل السندرة ليث بغابات شديد قسورة ثم التقى البطلان، وثار النقع تحت حوافر فرسيهما، وارتفع الغبار فوق رأسيهما في مبارزة عنيفة مريرة، كان يشهدها المقاتلون من الفريقين فتهلع لها قلوبهم، وترتعد لمرآها فرائصهم، فاستطاع مرحب اليهودي أن يقارب عليا عليه السلام وأن يوجه إليه ضربة أرادها كالصاعقة، ولكن عليا أمكنه تلافيها وهو يحيد عنها فذهبت في الهواء طائشة خائبة، ثم لم ترتد يد صاحبها منها، حتى كانت الضربة النجلاء، من مبارزة علي عليه السلام قد هوت فوق رأسه تقد المغفر الذي عليه، وتفلقه شقين حتى تصل إلى الأضراس في حلقه، فهوى مرحب بطل اليهود الأكبر عن ظهر فرسه، مجندلا على الثرى، يفور منه الدم الغزير ليروي التراب من تحته.
ورأى المحاربون اليهود ما حل ببطلهم مرحب، فاندفعوا نحو المسلمين في