هجمة شرسة عاتية، وقد استبد بهم الحقد، وهاجت في نفوسهم الضغينة، فأرادوا أن يستأصلوا أعدائهم من على وجه الأرض استئصالا، ولكن من أين لهم ذلك الوهم الخادع، وكل واحد من المسلمين بطل مقدام بحيث كانوا ينقضون عليهم كالليوث الكاسرة، فيفرقون صفوفهم، ويشتتون جموعهم، ولكن واحد منهم كان يدور حول علي عليه السلام ويلحقه ويترصده من مكان إلى آخر، وهو يريد أن يختلسه بضربة تعجل عليه، ثم ما زال كذلك حتى أمكنه من الدنو منه، فأهوى عليه بسيفه، فتلقى علي ضربته بدرعه، غير أنها وصلت إلى مقبضه فقطعته وأطاحت به من يده، فما كان من علي عليه السلام إلا أن عاجله بسيفه البتار، وأهوى عليه بإحدى ضرباته البكر النجلاء، لتفلق هامه وتذره على البطحاء شطرين.
ولم يكن اليهود قد شهدوا في سالف أيامهم مثل تلك الضربات التي تفلق هام الرجال، فراعهم الهلع، وأخافهم الفزع، فتقهقروا إلى الوراء مرتدين إلى الحصن، فارين لهول ما رأوا، ثم حاولوا إغلاق بابه وإحكام إقفاله من الداخل، ولكن عليا عليه السلام كان أسرع من أن يمكنهم من إيصاده جيدا، إذ اندفع نحو الباب يشد به إلى الوراء حتى اقتلعه بيديه ثم حمله يتترس به، ويهجم على الأعداء يدحوهم به دحوا حتى أبعدهم عن المدخل، فرجع وجعل الباب جسرا على الخندق الذي كان أمام الحصن كي يعبر عليه المسلمون، ويلاحقون الأعداء من ناحية إلى ناحية، ومن زاوية إلى زاوية، حتى قتلوا منهم عشرات الرجال وفر الباقون من أمامهم، فطاردوهم حتى أجلوهم عن الحصن تماما ولم يبق منهم فيه أحد، وعندها هدأ القتال وانتهت تلك المعركة بفتح حصن الناعم على يدي علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، فدعاه الرسول صلى الله عليه وسلم إليه يضمه إلى صدره فرحا بقوة بأسه وشجاعته، شاكرا الله تعالى على ما أنعم عليه وعلى المسلمين من نصر عزيز.
وكان شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت، يرقب ذلك الحنان يفيضه رسول الله صلى الله عليه وسلم على حبيبه وأخيه علي عليه السلام فينفذ أثره