يعلمها الناس لما فسدت ألسنتهم، فكان لا يحب أن يظهر ذلك ضنا به بعد علي رضي الله عنه، فلما كان زياد وجه إليه أن اعمل شيئا تكون فيه إماما وينتفع به الناس، فقد كنت شرعت فيه لتصلح ألسنة الناس، فدافع بذلك حتى مر يوما بكلاء البصرة، وإذا قارئ يقرأ (إن الله برئ من المشركين ورسوله) وفي آخرين، حتى سمع رجلا قال: سقطت عصاتي. فقال: لا يحل لي بعد هذا أن أترك الناس. فجاء إلى زياد فقال: أنا أفعل ما أمر به الأمير، فليبغ لي كاتبا حصيفا ذكيا يعقل ما أقول. فأتي بكاتب من عبد القيس فلم يرضه، فأتي بآخر من ثقيف، فقال له أبو الأسود: إذا رأيتني قد فتحت فمي بحرف فانقط نقطة على أعلاه، وإذا ضممت فمي فانقط نقطة بن يدي الحرف، وإذا كسرت فاجعل النقطة تحت الحرف، فإذا أتبعت ذلك غنة فاجعل النقطة نقطتين. ففعل. فهذا نقط أبي الأسود، وعمل الرفع والنصب والجر. واختلف الناس إليه يتعلمون العربية.
وفي (ص 7 الطبع المذكور):
قال أبو الأسود: دخلت يوما على علي بن أبي طالب، فرأيته مطرقا يفكر فقلت: ما أراك يا أمير المؤمنين مفكرا؟ فقال: قد سمعت من بعض من معي لحنا، وقد هممت أن أصنع كتابا أجمع فيه كلام العرب. فقلت: إن فعلت ذلك أحييت قوما وأبقيت العربية في الناس. فألقى إلي صحيفة فيها (الكلام كله:
اسم وفعل وحرف، فالاسم ما دل على المسمى، والفعل ما دل على الحركة، والحرف ما جاء لمعنى ليس باسم ولا فعل). فاستأذنته في أن أضع في نحو ما صنع شيئا أعرضه عليه، فأذن لي، فألفت كلاما وأتيته به، فزاد فيه ونقص، وكان هذا أصل النحو.