ولا يكون الاسم على حرفين أحدهما التنوين، فأبدل مكانها حرف جلد مشاكل لها، وهو الميم لأنهما شفهيتان، وفي الميم هوي في الفم يضارع امتداد الواو. قال أبو الهيثم: العرب تستثقل وقوفا على الهاء والحاء والواو والياء إذا سكن ما قبلها، فتحذف هذه الحروف وتبقي الاسم على حرفين كما حذفوا الواو من أب وأخ وغد وهن، والياء من يد ودم، والحاء من حر، والهاء من فوه وشفة وشاة، فلما حذفوا الهاء من فوه بقيت الواو ساكنة، فاستثقلوا وقوفا عليها فحذفوها، فبقي الاسم فاء وحدها فوصلوها بميم ليصير حرفين، حرف يبتدأ به فيحرك، وحرف يسكت عليه فيسكن، وإنما خصوا الميم بالزيادة لما كان في مسكن، والميم من حروف الشفتين تنطبقان بها، وأما ما حكي من قولهم أفمام فليس بجمع فم، إنما هو من باب ملامح ومحاسن، ويدل على أن فما مفتوح الفاء وجودك إياها مفتوحة في هذا اللفظ، وأما ما حكى فيها أبو زيد وغيره من كسر الفاء وضمها فضرب من التغيير لحق الكلمة لإعلالها بحذف لامها وإبدال عينها، وأما قول الراجز:
يا ليتها قد خرجت من فمه، حتى يعود الملك في أسطمه يروى بضم الفاء من فمه، وفتحها، قال ابن سيده: القول في تشديد الميم عندي أنه ليس بلغة في هذه الكلمة، ألا ترى أنك لا تجد لهذه المشددة الميم تصرفا إنما التصرف كله على ف و ه؟ من ذلك قول الله تعالى: يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم، وقال الشاعر:
فلا لغو ولا تأثيم فيها، وما فاهوا به أبدا مقيم وقالوا: رجل مفوه إذا أجاد القول، ومنه الأفوه للواسع الفم، ولم نسمعهم قالوا أفمام ولا تفممت، ولا رجل أفم، ولا شيئا من هذا النحو لم نذكره، فدل اجتماعهم على تصرف الكلمة بالفاء والواو والهاء على أن التشديد في فم لا أصل له في نفس المثال، إنما هو عارض لحق الكلمة، فإن قال قائل: فإذا ثبت بما ذكرته أن التشديد في فم عارض ليس من نفس الكلمة، فمن أين أتى هذا التشديد وكيف وجه دخوله إياها؟ فالجواب أن أصل ذلك أنهم ثقلوا الميم في الوقف فقالوا فم، كما يقولون هذا خالد وهو يجعل، ثم إنهم أجروا الوصل مجرى الوقف فقالوا هذا فم ورأيت فما، كما أجروا الوصل مجرى الوقف فيما حكاه سيبويه عنهم من قولهم:
ضخم يحب الخلق الأضخما وقولهم أيضا:
ببازل وجناء أو عيهل، كأن مهواها، على الكلكل، موقع كفي راهب يصلي يريد: العيهل والكلكل. قال ابن جني: فهذا حكم تشديد الميم عندي، وهو أقوى من أن تجعل الكلمة من ذوات التضعيف بمنزلة هم وحم، قال: فإن قلت فإذا كان أصل فم عندك فوه فما تقول في قول الفرزدق: هما نفثا في في من فمويهما، على النابح العاوي، أشد رجام وإذا كانت الميم بدلا من الواو التي هي عين فكيف جاز له الجمع بينهما؟ فالجواب: أن أبا علي حكى لنا عن أبي بكر وأبي إسحق أنهما ذهبا إلى أن الشاعر جمع بين العوض والمعوض عنه، لأن الكلمة