وقال: قوله في قصة مؤمن آل فرعون وما أجراه على لسانه فيما وعظ به آل فرعون: إن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم، إنه كان وعدهم بشيئين: عذاب الدنيا وعذاب الآخرة فقال: يصبكم هذا العذاب في الدنيا وهو بعض الوعدين من غير أن نفى عذاب الآخرة. وقال الليث: بعض العرب يصل ببعض كما تصل بما، من ذلك قوله تعالى: وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم، يريد يصبكم الذي يعدكم، وقيل في قوله بعض الذي يعدكم أي كل الذي يعدكم أي إن يكن موسى صادقا يصبكم كل الذي ينذركم به وبتوعدكم، لا بعض دون بعض لأن ذلك من فعل الكهان، وأما الرسل فلا يوجد عليهم وعد مكذوب، وأنشد:
فيا ليته يعفى ويقرع بيننا عن الموت، أو عن بعض شكواه مقرع ليس يريد عن بعض شكواه دون بعض بل يريد الكل، وبعض ضد كل، وقال ابن مقبل يخاطب ابنتي عصر:
لولا الحياء ولولا الدين، عبتكما ببعض ما فيكما إذ عبتما عوري أراد بكل ما فيكما فيما يقال. وقال أبو إسحق في قوله بعض الذي يعدكم: من لطيف المسائل أن النبي، صلى الله عليه وسلم، إذا وعد وعدا وقع الوعد بأسره ولم يقع بعضه، فمن أين جاز أن يقول بعض الذي يعدكم وحق اللفظ كل الذي يعدكم؟ وهذا باب من النظر يذهب فيه المناظر إلى إلزام حجته بأيسر ما في الأمر. وليس في هذا معنى الكل وإنما ذكر البعض ليوجب له الكل لأن البعض هو الكل، ومثل هذا قول الشاعر:
قد يدرك المتأني بعض حاجته، وقد يكون مع المستعجل الزلل لأن القائل إذا قال أقل ما يكون للمتأني إدراك بعض الحاجة، وأقل ما يكون للمستعجل الزلل، فقد أبان فضل المتأني على المستعجل بما لا يقدر الخصم أن يدفعه، وكأن مؤمن آل فرعون قال لهم: أقل ما يكون في صدقه أن يصيبكم بعض الذي يعدكم، وفي بعض ذلك هلاككم، فهذا تأويل قوله يصبكم بعض الذي يعدكم.
والبعوض: ضرب من الذباب معروف، الواحدة بعوضة، قال الجوهري: هو البق، وقوم مبعوضون. والبعض: مصدر بعضه البعوض يبعضه بعضا: عضه وآذاه، ولا يقال في غير البعوض، قال يمدح رجلا بات في كلة:
لنعم البيت بيت أبي دثار، إذا ما خاف بعض القوم بعضا قوله بعضا: أي عضا. وأبو دثار: الكلة. وبعض القوم: آذاهم البعوض. وأبعضوا إذا كان في أرضهم بعوض. وأرض مبعضة ومبقة أي كثيرة البعوض والبق، وهو البعوض، قال الشاعر:
يطن بعوض الماء فوق قذالها، كما اصطخبت بعد النجي خصوم وقال ذو الرمة:
كما ذببت عذراء، وهي مشيحة، بعوض القرى عن فارسي مرفل