(س) وفى حديث التسليم (قل السلام عليك، فإن عليك السلام تحية الموتى) هذا إشارة إلى ما جرت به عادتهم في المراثي، كانوا يقدمون ضمير الميت على الدعاء له كقوله:
عليك سلام من أمير وباركت * يد الله في ذاك الأديم الممزق وكقول الآخر:
عليك سلام الله قيس بن عاصم * ورحمته ما شاء أن يترحما * وإنما فعلوا ذلك لان المسلم على القوم يتوقع الجواب، وأن يقال له عليك السلام، فلما كان الميت لا يتوقع منه جواب جعلوا السلام عليه كالجواب. وقيل: أراد بالموتى كفار الجاهلية.
* وهذا في الدعاء بالخير والمدح، فأما في الشر والذم فيقدم الضمير كقوله تعالى (وإن عليك لعنتي) وقوله: (عليهم دائرة السوء).
* والسنة لا تختلف في تحية الأموات والاحياء. ويشهد له الحديث الصحيح أنه كان إذا دخل القبور قال: (سلام عليكم دار قوم مؤمنين).
* والتسليم مشتق من السلام اسم الله تعالى لسلامته من العيب والنقص. وقيل معناه أن الله مطلع عليكم فلا تغفلوا. وقيل معناه اسم السلام عليك: أي اسم الله عليك، إذا كان اسم الله يذكر على الاعمال توقعا لاجتماع معاني الخيرات فيه وانتفاء عوارض الفساد عنه. وقيل معناه سلمت منى فاجعلني أسلم منك، من السلامة بمعنى السلام.
* ويقال السلام عليكم، وسلام عليكم، وسلام، بحذف عليكم، ولم يرد في القرآن غالبا إلا منكرا كقوله تعالى (سلام عليكم بما صبرتم) فأما في تشهد الصلاة فيقال فيه معرفا ومنكرا، والظاهر الأكثر من مذهب الشافعي رحمه الله أنه اختار التنكير، وأما في السلام الذي يخرج به من الصلاة فروى الربيع عنه أنه لا يكفيه إلا معرفا، فإنه قال: أقل ما يكفيه أن يقول السلام عليكم، فإن نقص من هذا حرفا عاد فسلم. ووجهه أن يكون أراد بالسلام اسم الله تعالى، فلم يجز حذف الألف واللام منه، وكانوا يستحسنون أن يقولوا في الأول سلام عليكم، وفى الآخر السلام عليكم، وتكون الألف واللام للعهد. يعنى السلام الأول.