الأمر بعدي إلى ابني علي " (1).
أقول: في توجيه هذا الخبر، لعل الراوي ناظر إلى الرحلتين الأخيرتين، الثانية والثالثة التي كان يخشى فيهما على حياة الإمام، دون الأولى يوم كان صغيرا بعد لم يبلغ الحلم، ولم تكن شخصيته قد تبلورت بالشكل الذي كانت عليه وهو في العشرين من عمره، بعد أن أذعنت له الأمة الإسلامية في جميع أطراف الدولة المترامية شرقا وغربا بالإمامة، وشهدت له بالتفوق العلمي، ومكارم الاخلاق، وفي القرابة من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وبانت معجزاته (عليه السلام) للحاضر والبادي، والقاضي والداني، وحيث إن الاستدعائين الأخيرين لم يكونا طبيعيين، خاصة في المرة الثانية، إذ كان التوتر بين البيتين العباسي والهاشمي يتصاعد حدة، وكان للزواج اللا موفور، والاقتران المريب بين البيتين، عامل مساعد لطرف الصراع القوي في الانتقام من الطرق الآخر الذي هو تحت سيطرته، وفي قبضته الحديدية؛ لكن حلم المأمون ودهائه، وحنكته السياسية لم تجعله يتورط في الاسراع بتسديد الضرية القاضية النهائية لمنافسه الذي كان ينمو وينتشر في وسط الأمة، ولعله أو كل الأمر إلى خليفته من بعده ليقوم بتنفيذ المهمة.
ثم إن الراوي أبدى تخوفه وقلقه في الدفعة الاولى، وهي الاستدعاء الثاني له من قبل المأمون العباسي، بقوله: إني أخاف عليك من هذا الوجه. وهو تخوف كان يساور بيت الإمام وأصحابه من طاغية زمانه لما ذكرناه، فكان التوقع عدم عودة الإمام في هذه من بغداد.
أما في الخرجة الثانية من الخرجتين الأخيرتين، التي أشار إليها الراوي بقوله: أنت خارج. يعني لا ندري إما أت تعود وإما لا تعود، فلو قدر أن لا تعود،