فإلى من الأمر من بعدك؟ هنا يبدي الراوي السائل قلقه، لكنه بدرجة أقل من المرة الأولى. وفي كلا المرتين كان جواب الإمام (عليه السلام) خلاف ما توقعه السائل.
فالرحلات إلى بغداد ثلاثة بناء على ما سيأتي في استظهار جدول السنين، ولم يسافر إلى غيرها، إلا ما كان من ذهابه إلى خراسان وغسل والده الإمام الرضا (عليه السلام) والصلاة عليه. ثم شهوده موسم الحج، فإنه كان يتردد على مكة المكرمة، إذ تركه أباه الرضا (عليه السلام) في مكة حين سفره إلى خراسان، ثم عاد إليها سنة (205 ه) بعد الزواج حاجا. ويبدو أنه (عليه السلام) كان يحج بعد ذلك كل عام.
وأما ما انفرد به البيهقي محمد بن الحسين المتوفى سنة (469 ه / 1077 م) في تاريخ بيهق، من أن الجواد (عليه السلام) قدم على أبيه في خراسان سنة (202 ه)، فهي رواية تبقى محل تأمل ونظر؛ لأن المعروف والذي يتناقله العلماء والمشايخ، أن الرضا (عليه السلام) كان يراسل ابنه أبا جعفر على الدوام طيلة مدة ولايته للعهد.
اللهم إلا أن يكون قدومه لغرض غسل وتجهيز والده بعد وفاته سنة (203 ه).
وقد اختلف العلماء والمؤرخون في تأريخي الرحلتين الأولى والثانية، واتفقوا جميعا على تاريخ الرحلة الثالثة، من أنها كانت سنة (220 ه)، حيث حضر موسم الحج لسنة (219 ه)، ثم من مكة توجه في طريقه إلى بغداد، فدخلها يوم الثامن والعشرين من المحرم من السنة التالية (220 ه).
وفيما يلي عرض لعدد من النصوص التاريخية والروايات التي تحدثت عن ذلك الموضوع، مع مناقشة كل رواية قدر ما يسمح لنا به الجهد، في ضوء تلك الثوابت الأربعة التي حددناها؛ لنخلص إلى النتيجة النهائية، ثم نعرج بعدها إلى موضوع زواجه من أم الفضل.