أهجم على الأمر إلا بعدما قدمت وأخرت، وتأنيت وراجعت، وأرسلت وسافرت، وأعذرت وأنذرت، وأعطيت القوم كل شيء يلتمسوه بعد أن عرضت عليهم كل شيء لم يلتمسوه، فلما أبوا إلا تلك، أقدمت عليها، فبلغ الله بي وبهم ما أراد، وكان لي عليهم بما كان مني إليهم شهيدا. ثم التفت (عليه السلام) إلى أصحابه فقال:
أليس كذلك؟ قالوا: بلى يا أمير المؤمنين.
فقال (عليه السلام): وأما السادسة يا أخا اليهود، فتحكيمهم الحكمين ومحاربة ابن آكلة الأكباد وهو طليق معاند لله عز وجل ولرسوله والمؤمنين منذ بعث الله محمدا إلى أن فتح الله عليه مكة عنوة، فأخذت بيعته وبيعة أبيه لي معه في ذلك اليوم وفي ثلاثة مواطن بعده، وأبوه بالأمس أول من سلم علي بإمرة المؤمنين، وجعل يحثني على النهوض في أخذ حقي من الماضين قبلي، ويجدد لي بيعته كلما أتاني.
وأعجب العجب أنه لما رأى ربي تبارك وتعالى قد رد إلي حقي وأقر في معدنه، وانقطع طمعه أن يصير في دين الله رابعا، وفي أمانة حملناها حاكما، كر على العاصي بن العاص فاستماله، فمال إليه، ثم أقبل به بعد أن أطمعه مصر، وحرام عليه أن يأخذ من الفيء دون قسمه درهما، وحرام على الراعي إيصال درهم إليه فوق حقه، فأقبل يخبط البلاد بالظلم، ويطأها بالغشم، فمن بايعه أرضاه، ومن خالفه ناواه.
ثم توجه إلي ناكثا علينا، مغيرا في البلاد شرقا وغربا، ويمينا وشمالا، والأنباء تأتيني والأخبار ترد علي بذلك، فأتاني أعور ثقيف فأشار علي أن أوليه البلاد التي هو بها؛ لأداريه بما أوليه منها، وفي الذي أشار به الرأي في أمر الدنيا، لو وجدت عند الله عز وجل في توليته لي مخرجا، وأصبت لنفسي في ذلك