ويقينا وإشفاقا من أن تفنى عصبة تألفهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) باللين مرة وبالشدة أخرى، وبالنذر مرة وبالسيف أخرى، حتى لقد كان من تألفه لهم أن كان الناس في الكر والفرار والشبع والري واللباس والوطاء والدثار، ونحن أهل بيت محمد (صلى الله عليه وآله) لا سقوف لبيوتنا، ولا أبواب ولا ستور إلا الجرائد وما أشبهها، ولا وطاء لنا، ولا دثار علينا، يتداول الثوب الواحد في الصلاة أكثرنا، ونطوي الليالي والأيام عامتنا، وربما أتانا الشيء مما أفاءه الله علينا وصيره لنا خاصة دون غيرنا - ونحن على ما وصفت من حالنا - فيؤثر به رسول الله (صلى الله عليه وآله) أرباب النعم والأموال تألفا منه لهم.
فكنت أحق من لم يفرق هذه العصبة التي ألفها رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ولم يحملها على الخطة التي لا خلاص لها منها دون بلوغها، أو فناء آجالها؛ لأني لو نصبت نفسي فدعوتهم إلى نصرتي كانوا مني وفي أمري على إحدى منزلتين؛ إما متبع مقاتل، وإما مقتول إن لم يتبع الجميع، وإما خاذل يكفر بخذلانه إن قصر في نصرتي أو أمسك عن طاعتي، وقد علم الله أني منه بمنزلة هارون من موسى، يحل به في مخالفتي والإمساك عن نصرتي ما أحل قوم موسى بأنفسهم في مخالفة هارون وترك طاعته. ورأيت تجرع الغصص، ورد أنفاس الصعداء، ولزوم الصبر حتى يفتح الله أو يقضي بما أحب أزيد لي في حظي، وأرفق بالعصابة التي وصفت أمرهم ﴿وكان أمر الله قدرا مقدورا﴾ (1).
ولو لم أتق هذه الحالة - يا أخا اليهود - ثم طلبت حقي لكنت أولى ممن طلبه؛ لعلم من مضى من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن بحضرتك منه بأني كنت أكثر عددا، وأعز عشيرة، وأمنع رجالا، وأطوع أمرا، وأوضح حجة، وأكثر في