وشدوها على الرحال، وأقبلوا بها تخبط الفيافي (1)، وتقطع البراري، وتنبح عليها كلاب الحوأب، وتظهر لهم علامات الندم في كل ساعة وعند كل حال، في عصبة قد بايعوني ثانية بعد بيعتهم الأولى في حياة النبي (صلى الله عليه وآله)، حتى أتت أهل بلدة قصيرة أيديهم، طويلة لحاهم، قليلة عقولهم، عازبة آراؤهم، وهم جيران بدو، ووراد بحر، فأخرجتهم يخبطون بسيوفهم من غير علم، ويرمون بسهامهم بغير فهم.
فوقفت من أمرهم على اثنتين كلتاهما في محلة المكروه؛ ممن إن كففت لم يرجع ولم يعقل، وإن أقمت كنت قد صرت إلى التي كرهت، فقدمت الحجة بالإعذار والإنذار، ودعوت المرأة إلى الرجوع إلى بيتها، والقوم الذين حملوها على الوفاء ببيعتهم لي، والترك لنقضهم عهد الله عز وجل في، وأعطيتهم من نفسي كل الذي قدرت عليه، وناظرت بعضهم فرجع، وذكرت فذكر.
ثم أقبلت على الناس بمثل ذلك فلم يزدادوا إلا جهلا وتماديا وغيا، فلما أبوا إلا هي، ركبتها منهم، فكانت عليهم الدبرة (2)، وبهم الهزيمة، ولهم الحسرة، وفيهم الفناء والقتل. وحملت نفسي على التي لم أجد منها بدا، ولم يسعني إذ فعلت ذلك وأظهرته آخرا مثل الذي وسعني منه أولا؛ من الإغضاء والإمساك، ورأيتني إن أمسكت كنت معينا لهم علي بإمساكي على ما صاروا إليه، وطمعوا فيه من تناول الأطراف، وسفك الدماء، وقتل الرعية، وتحكيم النساء النواقص العقول والحظوظ على كل حال، كعادة بني الأصفر ومن مضى من ملوك سبأ والأمم الخالية، فأصير إلى ما كرهت أولا وآخرا.
وقد أهملت المرأة وجندها يفعلون ما وصفت بين الفريقين من الناس، ولم