يجهلوه من وجوه استحقاقي لها دونهم، وذكرتهم عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) إليهم، وتأكيد ما أكده من البيعة لي في أعناقهم. دعاهم حب الإمارة، وبسط الأيدي والألسن في الأمر والنهي، والركون إلى الدنيا، والاقتداء بالماضين قبلهم إلى تناول ما لم يجعل الله لهم.
فإذا خلوت بالواحد ذكرته أيام الله، وحذرته ما هو قادم عليه وصائر إليه، التمس مني شرطا أن أصيرها له بعدي، فلما لم يجدوا عندي إلا المحجة البيضاء، والحمل على كتاب الله عز وجل ووصية الرسول، وإعطاء كل امرئ منهم ما جعله الله له، ومنعه ما لم يجعل الله له، أزالها عني إلى ابن عفان؛ طمعا في الشحيح معه فيها، وابن عفان رجل لم يستو به وبواحد ممن حضره حال قط، فضلا عمن دونهم، لا ببدر - التي هي سنام فخرهم - ولا غيرها من المآثر التي أكرم الله بها رسوله، ومن اختصه معه من أهل بيته (عليهم السلام).
ثم لم أعلم القوم أمسوا من يومهم ذلك حتى ظهرت ندامتهم، ونكصوا على أعقابهم، وأحال بعضهم على بعض، كل يلوم نفسه ويلوم أصحابه، ثم لم تطل الأيام بالمستبد بالأمر؛ ابن عفان حتى أكفروه وتبرؤوا منه، ومشى إلى أصحابه خاصة وسائر أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله) عامة يستقيلهم من بيعته، ويتوب إلى الله من فلتته، فكانت هذه - يا أخا اليهود - أكبر من أختها، وأفظع وأحرى أن لا يصبر عليها، فنالني منها الذي لا يبلغ وصفه، ولا يحد وقته، ولم يكن عندي فيها إلا الصبر على ما أمض وأبلغ منها.
ولقد أتاني الباقون من الستة من يومهم كل راجع عما كان ركب مني يسألني خلع ابن عفان، والوثوب عليه، وأخذ حقي، ويؤتيني صفقته وبيعته على الموت تحت رايتي، أو يرد الله عز وجل علي حقي. فوالله - يا أخا اليهود - ما منعني