تحملها، وكابد الأهوال في الذب عنها، وضرب بالسيوف عليها لتأييد دولتها، وشيد أركانها، وملأ الآفاق بها، خلصت صفوا عفوا لأعدائه الذين كذبوه، لما دعا إليها، وأخرجوه عن أوطانه لما حض عليها، وأدموا وجهه، وقتلوا عمه وأهله، فكأنه كان يسعى لهم، ويدأب لراحتهم؛ كما قال أبو سفيان في أيام عثمان، وقد مر بقبر حمزة، وضربه برجله، وقال: يا أبا عمارة! إن الأمر الذي اجتلدنا عليه بالسيف أمسى في يد غلماننا اليوم يتلعبون به!
ثم آل الأمر إلى أن يفاخر معاوية عليا، كما يتفاخر الأكفاء والنظراء!!
إذا عير الطائي بالبخل مادر * وقرع قسا بالفهاهة باقل وقال السها للشمس: أنت خفية * وقال الدجى: يا صبح لونك حائل وفاخرت الأرض السماء سفاهة * وكاثرت الشهب الحصا والجنادل فيا موت زر إن الحياة ذميمة * ويا نفس جدي إن دهرك هازل!
ثم أقول ثانيا لأمير المؤمنين (عليه السلام): ليت شعري، لماذا فتح باب الكتاب والجواب بينه وبين معاوية؟! وإذا كانت الضرورة قد قادت إلى ذلك فهلا اقتصر في الكتاب إليه على الموعظة من غير تعرض للمفاخرة والمنافرة! وإذا كان لابد منهما فهلا اكتفى بهما من غير تعرض لأمر آخر يوجب المقابلة والمعارضة بمثله، وبأشد منه: ﴿ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم﴾ (1)... ولعله (عليه السلام) قد كان يظهر له من المصلحة حينئذ ما يغيب عنا الآن، ولله أمر هو بالغه! " (2).
وحقيقة الأمر تؤول إلى ما ذكره ابن أبي الحديد نهاية كلامه بصيغة الاحتمال.