أسفرت. إني أخاف عليكم أن يلتقي غاران منكم فيقتتلا، ثم يتركا كالأحلاس (1) الملقاة بنجوة (2) من الأرض، ثم يبقى رجرجة (3) من الناس لا يأمرون بالمعروف ولا ينهون عن منكر، إنها قد جاءتكم فتنة كافرة لا يدرى من أين تؤتى! تترك الحليم حيران، كأني أسمع رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالأمس يذكر الفتن فيقول: " أنت فيها نائما خير منك قاعدا، وأنت فيها جالسا خير منك قائما، وأنت فيها قائما خير منك ساعيا ". فثلموا سيوفكم، وقصفوا رماحكم، وانصلوا سهامكم، وقطعوا أوتاركم، وخلوا قريشا ترتق فتقها وترأب صدعها؛ فإن فعلت فلأنفسها ما فعلت، وإن أبت فعلى أنفسها ما جنت، سمنها في أديمها، استنصحوني ولا تستغشوني، وأطيعوني ولا تعصوني، يتبين لكم رشدكم، ويصلى هذه الفتنة من جناها.
فقام إليه عمار بن ياسر، فقال: أنت سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول ذلك؟ قال:
نعم، هذه يدي بما قلت، فقال: إن كنت صادقا فإنما عناك بذلك وحدك، واتخذ عليك الحجة، فألزم بيتك ولا تدخلن في الفتنة، أما إني أشهد أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمر عليا بقتال الناكثين، وسمى له فيهم من سمى، وأمره بقتال القاسطين، وإن شئت لأقيمن لك شهودا يشهدون أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) إنما نهاك وحدك، وحذرك من الدخول في الفتنة، ثم قال له: أعطني يدك على ما سمعت، فمد إليه يده، فقال له عمار: غلب الله من غالبه وجاهده. ثم جذبه فنزل عن المنبر (4).