ولتفسير هذا الحديث الشريف لا بد من بيان المقصود من عصر الجاهلية:
فقد طرح القرآن الكريم وكذلك الأحاديث الإسلامية عصر رسالة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) على أنه عصر علم وهداية، وما سبق عهد البعثة على أنه عصر جهل وضلالة.
ذلك أن الناس - وبحكم ما طرأ على الأديان السماوية من تحريف وتزوير - لم يكونوا ليستهدوا سبل الهداية والرشاد. وأن ما هيمن على المجتمعات البشرية آنذاك باسم الدين لم يكن سوى ركام من الأوهام والخرافات. ولطالما كانت الأديان المحرفة والعقائد الواهية أداة بيد حكومات الجور والترف، تتحكم من خلالها بمصير الانسان، وهذا ما يؤكده تاريخ ما قبل الاسلام.
عند ذلك بزغت شمس عصر العلم بالبعثة المباركة لرسول الله (صلى الله عليه وآله). حيث كان من أهم مسؤولياته (صلى الله عليه وآله) محاربة الخرافات والأباطيل واستجلاء الحقائق للناس، فكان يرى من شخصه الكريم أبا لهذه الأمة يزكيها ويعلمها، وهو يقول: إنما أنا لكم مثل الوالد، أعلمكم (1).
وقد كان (صلى الله عليه وآله) يرى نبوته موائمة لموازين العقل والعلم، وسيتسنى للعلماء - إن هم تحروا دراستها - الوقوف بكل بساطة على صدق مدعاه في ارتباطه بعالم الغيب:
* (ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق) * (2).
وقد كان (صلى الله عليه وآله) يحذر الناس وينذرهم من اتباع ما يرفضه العلم وتأباه المعرفة، وهو يتلو عليهم كلام الله: * (ولا تقف ما ليس لك به علم) * (3).