علي في أغيلمة من بني هاشم [و] (1) قد اجتمعوا هناك، فنظر جابر بن عبد الله إليه مقبلا فقال: هذه مشية رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسمته (2) فمن أنت يا غلام؟ قال: أنا محمد بن علي بن الحسين، فبكى جابر وقال: أنت والله الباقر عن العلم حقا، ادن مني بأبي أنت، فدنا منه، فحل جابر أزراره ثم وضع يده على صدره فقبله، وجعل عليه خده ووجهه، وقال: اقرؤك عن جدك رسول الله السلام، وقد أمرني أن أفعل بك ما فعلت، وقال (صلى الله عليه وآله) لي: يوشك ان تعيش، وتبقى حتى تلقى من ولدي من اسمه محمد بن علي، يبقر العلم بقرا، وقال: انك تبقى حتى تعمى ويكشف لك عن بصرك، ثم قال له: إئذن لي على أبيك علي بن الحسين (عليه السلام).
فدخل أبو جعفر على أبيه وأخبره الخبر وقال: ان شيخا بالباب وقد فعل بي كيت وكيت، قال: يا بني ذاك جابر بن عبد الله، ثم قال له: من بين ولدان أهلك، قال لك ما قاله وفعل بك ما فعله؟ قال: نعم، قال (عليه السلام): إنا لله، انه لم يقصدك بسوء ولقد أشاط بدمك.
ثم أذن لجابر فدخل عليه فوجده في محرابه قد انضته العبادة، فنهض علي وسأله عن حاله سؤالا حثيثا (3) ثم أجلسه بجنبه فأقبل جابر عليه يقول له: يا بن رسول الله أما علمت أن الله انما خلق الجنة لكم ولمن أحبكم وخلق النار لمن أبغضكم وعاداكم، فما هذا الجهد الذي كلفته نفسك.
فقال له علي بن الحسين: يا صاحب رسول الله أما علمت أن جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولم يدع الاجتهاد، وقد تعبد بأبي هو وأمي حتى انتفخ الساق وورم القدم، فقيل له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال: أفلا أكون عبدا شكورا، فلما نظر جابر إلى علي بن الحسين، وانه ليس يغني قول من يستميله من الجهد والتعب إلى القصد قال له:
يا بن رسول الله، البقاء (4) على نفسك فإنك من أسرة بهم يستدفع البلاء ويكشف