وحرص على الامارة، فالدنيا لا تساوي عنده - كما قال - نعله البالية، وكل ما يريده هو السهر على الاسلام وإقامة الشعائر الاسلامية وارشاد من ضل سواء أكان أبا بكر أو عمر أو أي واحد من المسلمين، فلم يظهر بعدها منافسة على تسلم الامارة بل حرص على إبداء ارشاداته لأبي بكر وعمر وعثمان كلما أعياهم الامر وضلوا، ولطالما خالفوه عندما خالف ذلك سياستهم الدنيوية.
تلك بعض صفات أبي بكر في سياسته وآخر سياساته هي ادلاء العهد بعده لأخلص أصدقائه الذي آخاه في مكة قبل الهجرة والذي كان من مؤيديه، بل الذي أقعده على كرسي الخلافة وداراه قبل وبعد الهجرة فنصره في حياته مهما بلغ من الغلظة وهو عمر بن الخطاب ذلك الذي لم يأل جهدا في زمن رسول الله وبعد وفاته لتوطيد الخلافة لابي بكر، وهو الحافظ لأسراره من بعده، وهو الذي سيتم ما بدأ به فيشيد اسمه ويقوي أعوانه ويشد أزرهم، والذي سيسير على سيرته في إبعاد خصومه من بني هاشم مهما أوصى بهم رسول الله. وهنا رغم علم أبي بكر بوصية رسول الله بعلي وعترته فقد خالف في ذلك لأن ذلك كان في حياة أبي بكر أكبر حجر عثرة لتسلمه الحكم والخلافة وهي بعد مماته تظهر معايبه وتظهر الحقائق، وهل يجوز لرجل السياسة ان يفضح نفسه بنفسه وقد دل ذلك على أنه رجل سياسة محنك وليس رجل دين ولا من جهة واحدة حتى ما ظهر منه من السير في كثير من الأحيان على القرآن والسنة ما دامت لا تخالف سياسته حتى تؤيده من الناحية الدينية.
فقد كسب الدنيا فماذا يضره أن يؤيد نفسه بهذه الظاهرة الاسلامية التي هي أعظم نفوذا في النفوس من الأولى، لذا لم يأل جهدا في أن يتظاهر بأعظم مظهر ديني كخليفة لرسول الله إلا فيما يخالف سياسته، ومن سياسته المظهر الديني لو أقام بأكبر ما يمكن ان يحول بينه وبين ذلك فمنع تدوين السنة والروايات في زمنه باعتبار ان ذلك يشغل المسلمين المشغولين والمنهمكين في الحروب لنشر الدين