وبالامكان بأي لحظة من هذه الليلة المظلمة وهم يعلمون ويوقنون أن محمدا نائم ان يهووا بسيوفهم عليه دون شك ولا ريب، ومن يضحي بنفسه يبيت في محله مثل علي يدري كيف يظهر لهم الطمأنينة، ويغفلهم حتى آخر لحظة ممكنة كي يسلم رسول الله في هجرته من أذاهم وقتلهم وهكذا نام في فراشه محتسبا صابرا، شجاعا لا يبدوا عليه أي حزن أو خوف لسلامة رسول الله وحفظه من المشركين.
اما أبو كبر فرغم كونه في الغار وعلى الغار قد عششت الحمام وخيوط العنكبوت قد أحاطت فم الغار نجد ان الخوف والحزن يستولي على أبي بكر حتى تنزل الآية: (إذ يقول لصاحبه لا تحزن ان الله معنا) فهذا النهي من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي بكر أن لا يحزن وتذكيره بالله انه معهم على ماذا يدل سوى ان ابا بكر ظهر عليه الحزن لدرجة ظهر على محياه وحديثه، والحزن في المواقع ألا يدل على الشك وقلة الإيمان بالله وبالرسالة والرسول حتى ينهاه عن الحزن؟ وقد مر ذلك في مجادلة المأمون مع إسحاق. فهذه كانت من التجارب الأولى والتمحيص لأبي بكر في سلوكه وايمانه.
أما في حملة خيبر وقد أعطى رسول الله في اليوم الأول لأبي بكر الراية والامارة للحملة بيد أنه رجع مندحرا مخذولا ولم ينجح في مهمته، وفي اليوم الثاني فالراية قد أعطاها لعمر وأمره بالحملة على اليهود وفتح خيبر، فلم يكن حظه أسعد من أخيه وصاحبه أبي بكر وعاد في آخرها مندحرا مغلوبا. فقال بعد ذلك كلمته المأثورة العظيمة: " لأعطين الراية غدا إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله كرار غير فرار " فاشرأبت الأنظار إلى هذا الذي سيحمل هذا الوسام العظيم من رسول الله، وهذا الرجل الذي نعته رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وخاتم النبيين بهذه الصفات الممتازة، وتطاولت الأعناق وتساءل القوم: من هو هذا البطل المرموق والمؤمن المخلص والمجاهد العظيم والشجاع والقائد المحنك؟ ولم يطق