فأين مقام الرئاسة العظمى لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأين منزلة أبي بكر ليسوي بين المنزلتين، ويناسب بين الحالتين!
ولو كان أبو بكر شريكا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الرسالة، وممنوحا من الله بفضيلة النبوة، وكانت قريش والعرب تطلبه كما تطلب محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وكان يدبر من أمر الاسلام وتسريب العساكر وتجهيز السرايا وقتل الأعداء، ما يدبره محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) لكان للجاحظ أن يقول ذلك، فأما وحاله حاله، وهو أضعف المسلمين جنانا، وأقلهم عند العرب ترة، لم يرم قط بسهم، ولا سل سيفا، ولا أراق دما، وهو أحد الاتباع، غير مشهور ولا معروف ولا طالب ولا مطلوب، فكيف يجوز ان يجعل مقامه ومنزلته مقام رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنزلته! ولقد خرج ابنه عبد الرحمن مع المشركين يوم أحد فرآه أبو بكر، فقام مغيظا عليه، فسل من السيف مقدار إصبع يريد البروز إليه فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " يا أبا بكر شم سيفك (1) وأمتعنا بنفسك "، ولم يقل له " وأمتعنا بنفسك " إلا لعلمه بأنه ليس اهلا للحرب وملاقاة الرجال، وانه لو بارز لقتل.
وكيف يقول الجاحظ: لا فضيلة لمباشرة الحرب، ولقاء الاقران، وقتل ابطال الشرك! هل قامت عمد الاسلام إلا على ذلك! وهل ثبت الدين واستقر إلا بذلك!
أتراه لم يسمع قول الله تعالى (ان الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص) (2)، والمحبة من الله تعالى هي إرادة الثواب، فكل من كان أشد ثبوتا في هذا الصف وأعظم قتالا، كان أحب إلى الله، ومعنى الأفضل هو الأكثر ثوابا فعلي (عليه السلام) إذا هو أحب المسلمين إلى الله، لأنه أثبتهم قدما في الصف المرصوص، لم يفر قط بإجماع الأمة، ولا بارزه قرن إلا قتله.