إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٦ - الصفحة ٦٩
ابنته ليتقي له بذلك وجهه بين المسلمين.
واعترض على هذا القول بأن في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم وعده وهو الصادق الوعد، ولم ينقل أحد قط أنه صلى الله عليه وسلم جدد العقد على أم حبيبة، ومثل هذا لو كان لنقل، فحيث لم ينقله أحد قط علم أنه لم يقع.
ولم يرد القاضي " عياض " على استشكال الحديث فقال: والذي وقع في مسلم من هذا غريب جدا عند أهل الخبر، وخبرها مع أبي سفيان عند وروده المدينة بسبب تجديد الصلح ودخوله عليها مشهور.
وقالت طائفة: ليس الحديث بباطل، وإنما سأل أبو سفيان النبي صلى الله عليه وسلم، أن يزوجه ابنته الأخرى على أختها أم حبيبة، قالوا: ولا يبعد أن يخفى هذا على أبي سفيان لحداثة عهده بالاسلام، كما خفي على ابنته أم حبيبة حتى سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتزوجها، فقال: إنها لا تحل لي، فأراد أبو سفيان أن يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته الأخرى، والتبعة على الراوي. وذهب وهمه إلى أنها أم حبيبة وهذه التسمية من غلط بعض الرواة لا من قول أبي سفيان.
قال شيخنا العماد عمر بن كثير - رحمه الله -: والصحيح في هذا أن أبا سفيان لما رأى صهر النبي صلى الله عليه وسلم " رفع من قدره " (1) أحب أن يزوجه ابنته الأخرى - وهي عزة - واستعان على ذلك بأختها أم حبيبة، كما أخرجاه في الصحيحين عن أم حبيبة أنها قالت: يا رسول الله! أنكح أختي بنت أبي سفيان، فقال: وتحبين ذلك؟ قلت: نعم.. الحديث (2).

(١) زيادة يقتضيها السياق، ومكانها مطموس في (خ).
(٢) أخرجه البخاري في (الصحيح) قال: حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا الليث عن عقيل، عن ابن شهاب، أن عروة بن الزبير أخبره أن زينب ابنة أبي سلمة أن أم حبيبة قالت: قلت: يا رسول الله، أنكحك أختي بنت أبي سفيان، قال: وتحبين؟ قلت: نعم، لست لك بمخلية، وأحب من شاركني في خير أختي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إن ذلك لا يحل لي. قلت: يا رسول الله، فوالله إنا لنتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة، قال: بنت أم سلمة؟ فقلت: نعم، قال: فوالله لو لم تكن في حجري ما حلت لي، إنها لابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة - فلا تعرضن علي بناتكن ولا أخواتكن. (فتح الباري): ٩ / ١٩٨، كتاب النكاح، باب (٢٧) (وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف)، حديث رقم (٥١٠٧)، (مسلم بشرح النووي): ٩ / ٢٧٨، كتاب الرضاع، باب (٤) تحريم الربية وأخت المرأة، حديث رقم (١٥)، وقال الإمام النووي: هذا الإسناد فيه أربعة تابعيون:
أولهم: بكير بن عبد الله بن الأشج، روى عن جماعة من الصحابة، والثاني عبد الله بن مسلم الزهري أخو الزهري المشهور وهو تابعي سمع ابن عمر وآخرين من الصحابة، وهو أكبر من أخي الزهري المشهور، والثالث: محمد بن مسلم الزهري المشهور، وهو أخو عبد الله الراوي عنه كما ذكرنا، والرابع: حميد بن عبد الرحمن بن عوف، وهو الزهري، تابعيان مشهوران.
ففي هذا الإسناد ثلاث لطائف من علم الإسناد: إحداها: كونه جمع أربعة تابعين بعضهم عن بعض، الثانية: أن فيه رواية الكبير عن الصغير، لأن عبد الله أكبر من أخيه محمد كما سبق، الثالثة: أن فيه رواية الأخ عن أخيه.
قوله صلى الله عليه وسلم: (لو أنها لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة)، معناه أنها حرام علي بسببين: كونها ربيبة، وكونها بنت أخي، فلو فقد أحد السببين حرمت بالآخر، والربيبة بنت الزوجة، مشتقة من الرب، وهو الاصلاح، لأنه يقوم بأمورها، ويصلح أحوالها.
ووقع في بعض كتب الفقه أنها مشتقة من التربية، وهذا غلط فاحش، فإن من شرط الاشتقاق الاتفاق في الحروف الأصلية، ولام الكلمة، وهو الحرف الأخير مختلف، فإن آخر رب باء موحدة، وفي آخر ربي ياء مثناه من تحت، والله تعالى أعلم.
قوله صلى الله عليه وسلم: (ربيبتي في حجري)، ففيه حجة لداود الظاهري أن الربية لا تحرم إلا إذا كانت في حجر زوج أمها، فإن لم تكن في حجره فهي حلال له، وهو موافق لظاهر قوله تعالى: (وربائبكم اللاتي في حجوركم)، ومذهب العلماء كافة سوى داود أنها حرام، سواء كانت في حجره أم لا.
قالوا: والتقييد إذا خرج على سبب لكونه الغالب، لم يكن له مفهوم يعمل به، فلا يقصر الحكم عليه، ونظيره قوله تعالى: (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق)، ومعلوم أنه يحرم قتلهم بغير ذلك أيضا، لكن خرج التقييد بالإملاق لأنه الغالب، وقوله تعالى: (ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا)، ونظائره في القرآن كثيرة.
قوله صلى الله عليه وسلم: (أرضعتني وأباه ثويبة)، أباها بالباء الموحدة، أي أرضعتني أنا وأبوها أبو سلمة، من ثويبة بثاء مثلثة مضمومة، ثم واو مفتوحة ثم ياء التصغير ثم ياء موحدة ثم هاء، وهي مولاة لأبي لهب، ارتضع منها صلى الله عليه وسلم قبل حليمة السعدية رضي الله عنها.
قوله صلى الله عليه وسلم: (فلا تعرضوا علي بناتكن ولا أخواتكن)، إشارة إلى أخت أم حبيبة، وبنت أم سلمة، واسم أخت أم حبيبة هذه: عزة، بفتح العين المهملة، وهذا محمول على أنها لم تعلم حينئذ تحريم الجمع بين الأختين، وكذا لم تعلم من عرض بنت أم سلمة تحريم الربيبة، وكذا لم تعلم من عرض بنت حمزة تحريم بنت الأخ من الرضاعة، أو لم تعلم أن حمزة أخ له من الرضاع، والله تعالى أعلم.
(المرجع السابق).
وأخرجه أيضا الحافظ البيهقي في (السنن الكبرى): ٧ / ١٦٢، كتاب النكاح، باب ما جاء في قول الله تعالى: (وأن تجمعوا بين الأختين).
(٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 64 65 66 67 68 69 71 72 73 74 75 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في ذكر ذريه رسول الله صلى الله عليه وسلم 3
2 فصل في ذكر عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم 13
3 فصل في ذكر سلالة رسول الله صلى الله عليه وسلم 17
4 فصل في ذكر سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم 18
5 نبذة 20
6 فصل في العقب والعقاب 22
7 فصل في ذكر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم 24
8 - أم المؤمنين خديجة بنت خويلد 24
9 - أم المؤمنين سودة بنت زمعة 31
10 - أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر 35
11 - غزية 44
12 أم المؤمنين حفصة بنت عمر 46
13 أم المؤمنين زينب بنت خزيمة 52
14 أم المؤمنين أم سلمة 53
15 أم المؤمنين زينب بنت جحش 57
16 أم المؤمنين أم حبيبة 63
17 أم المؤمنين جويرية بنت الحارث 82
18 أم المؤمنين صفية بنت حيي 86
19 أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث 89
20 فصل جامع لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم 92
21 - أم شريك 97
22 - العالية 97
23 - الكلابية 98
24 أسماء بنت عمرو 99
25 - قتيلة بنت قيس 99
26 - الجونية 100
27 - مليكة بنت كعب 101
28 أم هانئ 102
29 - صفية بنت بشامة 104
30 - ليلى بنت الخطيم 105
31 - خولة بنت الهذيل 106
32 - شراف بنت قطام 106
33 - ضباعة بنت عامر 107
34 الكلبية 108
35 - أمامة بنت الحارث 109
36 - جمرة بنت الحارث 109
37 - درة بنت أبي سلمة 110
38 - أمامة بنت حمزة 110
39 - أم حبيب 111
40 - سناء بنت أسماء بنت الصلت 111
41 فصل في ذكر قوة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجماع 126
42 فصل في ذكر سرارى رسول الله صلى الله عليه وسلم 129
43 - مارية 129
44 - ريحانة 131
45 فصل في ذكر أسلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم 134
46 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل خديجة 134
47 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل سودة 136
48 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل عائشة 141
49 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل حفصة 146
50 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل زينب أم المساكين 149
51 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل أم سلمة 149
52 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش 155
53 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل أم حبيبة 157
54 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل ميمونة 164
55 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل مارية 171
56 فصل في ذكر أحماء رسول الله صلى الله عليه وسلم 174
57 حمو رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل خديجة 175
58 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل سودة 177
59 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل عائشة 181
60 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل حفصة 183
61 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل أم سلمة 183
62 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش 184
63 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل أم حبيبة 185
64 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل جويرية 186
65 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل صفية 187
66 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل ميمونة 188
67 فصل في ذكر أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم 189
68 أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل خديجة 192
69 إخوة خديجة 194
70 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل سودة 197
71 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل عائشة 201
72 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل حفصة 211
73 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل أم سلمة 220
74 - أولاد عم أم سلمة 228
75 - إخوة أم سلمة 251
76 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش 254
77 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل أم حبيبة 256
78 - إخوة أم حبيبة 261
79 - صهره صلى الله عليه وسلم من قبل جويرية 270
80 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل ميمونة 270
81 - أصهاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء أعمامه 275
82 - أصهاره صلى الله عليه وسلم أزواج عماته 278
83 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل بناته 283
84 فصل في ذكر من كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولاد نسائه 295
85 فصل في ذكر موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم 302
86 فصل في ذكر إماء رسول الله صلى الله عليه وسلم 340
87 فصل في ذكر خدام رسول الله صلى الله عليه وسلم 349
88 فصل في ذكر من كان يلازم باب رسول الله صلى الله عليه وسلم 352
89 فصل في ذكر الحاجب الذي كان يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم 354
90 فصل في ذكر صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم 356
91 فصل في ذكر من كان يغمز رسول الله صلى الله عليه وسلم 362
92 فصل في ذكر عدة ممن كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم 363
93 فصل في ذكر لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم 366
94 - وأما الكلمة والقلنسوة والقناع 372
95 - وأما القميص 378
96 - وأما الرداء 381
97 - وأما القباء والمفرج 384
98 - وأما البردة 386
99 - وأما الجبة 391
100 - وأما الحلة 395