إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٦ - الصفحة ٢٣٢
ذلك، فقال: لم يقدر في الله على ذلك، قال: فسخر لنا الريح لتحملنا إلى الشام في يوم وتردنا في يوم، فإن طول السفر يجهدنا، فلست بأهون على الله من سليمان بن داود، فقد كان يأمر الريح فتغدو به مسيرة شهر، وتروح به مسيرة شهر، فقال: لا أستطيع ذلك، فقال أبو جهل: فإن كنت غير فاعل شيئا ما سألناك، فلا تذكر آلهتنا بسوء، فقال عبد الله بن أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم: فأرنا كرامتك على ربك، فليكن لك بيت من زخرف، وجنة من نخيل وعنب تجري تحتها الأنهار، وفجر لنا ينبوعا مكان زمزم، فقد شق علينا أو عليها، وإلا فأسقط السماء علينا كسفا، فقال: ليس هذا بيدي، هو بيد الذي خلقني، قال: فارق إلى السماء وأتنا بكتاب نقرأه ونحن ننظر إليك، فنزلت فيه الآيات من سورة الإسراء (١).
ولما نزلت: ﴿إن شجرت الزقوم * طعام الأثيم * كالمهل يغلي في البطون * كغلي الحميم﴾ (2) قال أبو جهل: إنما أنا أدعو لكم يا معشر قريش

(١) (تفسير ابن كثير): ٣ / ٦٦ - ٨٦، الآيات ٢٩ - ٩٤ من سورة الإسراء.
(٢) الدخان: ٤٣ - ٤٦، ولما ذكر الله تعالى فريقا مرحومين على وجه الاجمال، قابله هنا بفريق معذبون، وهم المشركون، ووصف بعض أصناف عذابهم، وهو مأكلهم وإهانتهم، وتحريقهم، فكان مقتضى الظاهر أن يبتدأ الكلام بالإخبار عنهم بأنهم يأكلون شجرة الزقوم، كما قال في سورة الواقعة: (ثم إنكم أيها الضالون المكذبون * لآكلون من شجر من زقوم) " الواقعة: ٥١ - ٥٢ "، فعدل عن ذلك إلى الإخبار عن شجرة الزقوم بأنها طعام الأثيم، اهتماما بالأعلام بحال هذه الشجرة، وقد جعلت شجرة الزقوم شيئا معلوما للسامعين، فأخبر عنها بطريق تعريف الإضافة، لأنها سبق ذكرها في سورة الواقعة، التي نزلت قبل سورة الدخان، فإن الواقعة عدت السادسة والأربعين في عداد نزول السور، وسورة الدخان ثالثة وستين. ومعنى كون الشجرة طعاما أن ثمرها طعام، كما قال تعالى: (طلعها كأنه رؤوس الشياطين * فإنهم لآكلون منها فمالئون منها البطون) " الصافات: ٦٥ - ٦٦ ".
وكتبت كلمة (شجرت) في المصاحف بتاء مفتوحة، مراعاة لحال الوصل، وكان الشائع في رسم أواخر الكلم أن تراعى فيه حالة الوقف، فهذا مما جاء على خلاف الأصل.
و (الأثيم): الكثير الآثام، كما دلت عليه فعيل، والمراد به: المشركون المذكورون في قوله تعالى:
(إن هؤلاء ليقولون * إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين) " الدخان: ٤٣ - ٥٣ "، فهذا من الاظهار في مقام الاضمار، لقصد الإيماء إلى أن المهم بالشرك مع سبب معاملتهم هذه. (تفسير التحرير والتنوير): ٢٥ / ٣١٤.
وشجرة الزقوم ذكرت هنا ما هو معهود من قبل لورودها معرفة بالإضافة، ولوقوعها في مقام التفاوت بين حالي خير وشر، فيناسب أن تكون الحوالة على مثلين معروفين، فأما أن يكون اسما جعله القرآن لشجرة في جهنم، ويكون سبق ذكرها في: (ثم إنكم أيها الضالون المكذبون * لآكلون من شجر من زقوم) " الواقعة: 51 - 52 "، وكان نزولها قبل نزول سورة الصافات.
ويبين هذا ما رواه الكلبي: أنه لما نزلت هذه الآية " أي آية سورة الواقعة "، قال ابن الزبعري: أكثر الله في بيوتهم الزقوم، فإن أهل اليمن يسمون التمر والزبد بالزقوم، فقال أبو جهل لجاريته، زقمينا، فأتته بزبد وتمر فقال: تزقموا.
وعن ابن سيده: بلغنا أنه لما نزلت: (إن شجرة الزقوم * طعام الأثيم) " الدخان: 43 - 44 "، لم يعرفها قريش، فقال أبو جهل، يا جارية هاتي لنا تمرا وزبدا نزدقمه، فجعلوا يأكلون ويقولون: أفبهذا يخوفنا محمد في الآخرة؟
والمناسب أن يكون قولهم هذا عندما سمعوا آية سورة الواقعة، لا آية سورة الدخان، وقد جاءت فيها نكرة.
وأما أن يكون اسما لشجر معروف هو مذموم، قيل: هو شجر من أخبث الشجر يكون بتهامة والبلاد المجدبة المجاورة للصحراء، كريهة الرائحة، صغيرة الورق، مسمومة، ذات لبن إذا أصاب جلد الإنسان تورم، ومات منه في الغالب. قاله قطرب وأبو حنيفة.
(٢٣٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 227 228 229 230 231 232 233 234 235 236 237 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 فصل في ذكر ذريه رسول الله صلى الله عليه وسلم 3
2 فصل في ذكر عترة رسول الله صلى الله عليه وسلم 13
3 فصل في ذكر سلالة رسول الله صلى الله عليه وسلم 17
4 فصل في ذكر سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم 18
5 نبذة 20
6 فصل في العقب والعقاب 22
7 فصل في ذكر أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم 24
8 - أم المؤمنين خديجة بنت خويلد 24
9 - أم المؤمنين سودة بنت زمعة 31
10 - أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر 35
11 - غزية 44
12 أم المؤمنين حفصة بنت عمر 46
13 أم المؤمنين زينب بنت خزيمة 52
14 أم المؤمنين أم سلمة 53
15 أم المؤمنين زينب بنت جحش 57
16 أم المؤمنين أم حبيبة 63
17 أم المؤمنين جويرية بنت الحارث 82
18 أم المؤمنين صفية بنت حيي 86
19 أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث 89
20 فصل جامع لأزواج النبي صلى الله عليه وسلم 92
21 - أم شريك 97
22 - العالية 97
23 - الكلابية 98
24 أسماء بنت عمرو 99
25 - قتيلة بنت قيس 99
26 - الجونية 100
27 - مليكة بنت كعب 101
28 أم هانئ 102
29 - صفية بنت بشامة 104
30 - ليلى بنت الخطيم 105
31 - خولة بنت الهذيل 106
32 - شراف بنت قطام 106
33 - ضباعة بنت عامر 107
34 الكلبية 108
35 - أمامة بنت الحارث 109
36 - جمرة بنت الحارث 109
37 - درة بنت أبي سلمة 110
38 - أمامة بنت حمزة 110
39 - أم حبيب 111
40 - سناء بنت أسماء بنت الصلت 111
41 فصل في ذكر قوة رسول الله صلى الله عليه وسلم على الجماع 126
42 فصل في ذكر سرارى رسول الله صلى الله عليه وسلم 129
43 - مارية 129
44 - ريحانة 131
45 فصل في ذكر أسلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم 134
46 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل خديجة 134
47 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل سودة 136
48 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل عائشة 141
49 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل حفصة 146
50 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل زينب أم المساكين 149
51 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل أم سلمة 149
52 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش 155
53 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل أم حبيبة 157
54 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل ميمونة 164
55 - أسلافه صلى الله عليه وسلم من قبل مارية 171
56 فصل في ذكر أحماء رسول الله صلى الله عليه وسلم 174
57 حمو رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبل خديجة 175
58 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل سودة 177
59 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل عائشة 181
60 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل حفصة 183
61 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل أم سلمة 183
62 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش 184
63 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل أم حبيبة 185
64 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل جويرية 186
65 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل صفية 187
66 - حموه صلى الله عليه وسلم من قبل ميمونة 188
67 فصل في ذكر أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم 189
68 أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل خديجة 192
69 إخوة خديجة 194
70 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل سودة 197
71 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل عائشة 201
72 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل حفصة 211
73 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل أم سلمة 220
74 - أولاد عم أم سلمة 228
75 - إخوة أم سلمة 251
76 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل زينب بنت جحش 254
77 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل أم حبيبة 256
78 - إخوة أم حبيبة 261
79 - صهره صلى الله عليه وسلم من قبل جويرية 270
80 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل ميمونة 270
81 - أصهاره رسول الله صلى الله عليه وسلم ونساء أعمامه 275
82 - أصهاره صلى الله عليه وسلم أزواج عماته 278
83 - أصهاره صلى الله عليه وسلم من قبل بناته 283
84 فصل في ذكر من كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم من أولاد نسائه 295
85 فصل في ذكر موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم 302
86 فصل في ذكر إماء رسول الله صلى الله عليه وسلم 340
87 فصل في ذكر خدام رسول الله صلى الله عليه وسلم 349
88 فصل في ذكر من كان يلازم باب رسول الله صلى الله عليه وسلم 352
89 فصل في ذكر الحاجب الذي كان يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وسلم 354
90 فصل في ذكر صاحب طهور رسول الله صلى الله عليه وسلم 356
91 فصل في ذكر من كان يغمز رسول الله صلى الله عليه وسلم 362
92 فصل في ذكر عدة ممن كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم 363
93 فصل في ذكر لباس رسول الله صلى الله عليه وسلم 366
94 - وأما الكلمة والقلنسوة والقناع 372
95 - وأما القميص 378
96 - وأما الرداء 381
97 - وأما القباء والمفرج 384
98 - وأما البردة 386
99 - وأما الجبة 391
100 - وأما الحلة 395