غسلا (1)، وأنه قال: أعطيت في الجماع قوة أربعين رجلا (2).
(١) (عون المعبود): ١ / ٢٥٤، كتاب الطهارة، باب (٨٦) الوضوء لمن أراد أن يعود، حديث رقم (٢١٦): حدثنا موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد عن عبد الرحمن بن أبي رافع، أن النبي صلى الله عليه وسلمطاف على نسائه، يغتسل عند هذه، وعند هذه، قال: فقلت له: يا رسول الله، ألا تجعله غسلا واحدا؟ قال: هذا أزكى، وأطيب، وأطهر. قال أبو داود: حديث أنس أصح من هذا.
والحديث يدل على استحباب الغسل قبل المعاودة، ولا خلاف فيه. قال النسائي: ليس بينه وبين حديث أنس اختلاف، بل كان يفعل هذا مرة وذلك أخرى.
وقال النووي في (شرح مسلم): هو محمول على أنه فعل الأمرين في وقتين مختلفين، والذي قالاه هو حسن جدا، ولا تعارض بينهما، فمرة تركه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيانا للجواز، وتخفيفا على الأمة، ومرة فعله لكونه أزكى وأطهر.
و (حديث أنس) المتقدم (أصح من هذا) أي من حديث أبي رافع، لأن حديث أنس مروي من طرق متعددة، ورواته ثقات أثبات، ورواة حديث أبي رافع ليسوا بهذه المثابة، وقول المؤلف هذا ليس بطعن في حديث أبي رافع، لأنه لم ينف الصحة عنه، وأورد حديث أبي رافع في هذا الباب لأن الغسل يشمل الوضوء أيضا. قال المنذري: وأخرجه النسائي وابن ماجة. (عون المعبود):
١ / ٢٥٤.
(٢) قال ابن القيم: وكان قد أعطي قوة ثلاثين في الجماع وغيره، وأباح الله له من ذلك ما لم يبحه لأحد من أمته صلى الله عليه وسلم (زاد المعاد): ١ / ١٥١، فصل في هديه في النكاح، معاشرته صلى الله عليه وسلم أهله.
وقال أنس رضي الله عنه: كان يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل: وهن إحدى عشرة، قلت لأنس: أو كان يطيقه؟ قال: كنا نتحدث أنه صلى الله عليه وسلم أعطي قوة ثلاثين. رواه البخاري من طريق قتادة. وقال سعيد عن قتادة: إن أنسا حدثهم: تسع نسوة. (فتح الباري): ١ / ٤٩٧، كتاب الغسل، باب (١٢) إذا جامع ثم عاد. ومن دار على نسائه في غسل واحد، حديث رقم (٢٦٨)، باب (٢٤) الجنب يخرج ويمشي في السوق وغيره، حديث رقم (٢٨٤)، ٩ / ١٤٠، كتاب النكاح، باب (٤) كثرة النساء، حديث رقم (٥٠٦٨)، ٩ / ٣٩٤، كتاب النكاح، باب (١٠٣) من طاف على نسائه في غسل واحد، حديث رقم (٥٢١٥).
وذكر القاضي عياض أن الحكمة في طوافه عليهن في الليلة الواحدة كان لتحصينهن، وكأنه أراد به عدم تشوفهن للأزواج، إذ الإحصان له معان، منها: الإسلام، والحرية، والعفة، والذي يظهر أن ذلك إنما كان لإرادة العدل بينهن في ذلك، وإن لم يكن واجبا، وفي التعليل الذي ذكره نظر، لأنهن حرم عليهن التزويج بعده، وعاش بعضهن بعده خمسين سنة فما دونها، وزادت آخرهن موتا على ذلك. (الشفا بتعريف حقوق المصطفى): ١ / ٥١ وما بعدها، فصل: والضرب الثاني ما يتفق التمدح بكثرته، والفخر بوفوره كالنكاح والجاه، (فتح الباري): شرح الحديث رقم (٥٢١٥) محتصرا.
قال الحافظ في (الفتح): وفي هذا الحديث من الفوائد: ما أعطي النبي صلى الله عليه وسلم من القوة على الجماع، وهو الدليل على كمال البنية، وصحة الذكورية، والحكمة في كثرة أزواجه صلى الله عليه وسلم أن الأحكام التي ليست ظاهرة يطلعن عليها، فينقلنها، وقد جاء عن عائشة من ذلك الكثير الطيب، ومن ثم فضلها بعضهم على الباقيات.
نقل الحافظ في (الفتح) كلام ابن حبان هذا في الجمع بين الروايتين بأن حمل ذلك على حالتين، ثم تعقبه بقوله: لكنه وهم في قوله: إن الأولى كانت في أول قدومه المدينة، حيث كان تحته صلى الله عليه وسلم تسع نسوة، والحالة الثانية في آخر الأمر، حيث اجتمع عنده إحدى عشر امرأة.
وموضع الوهم منه أنه صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة لم يكن تحته امرأة سوى سودة، ثم دخل على عائشة بالمدينة، ثم تزوجأم سلمة، وحفصة، وزينب بنت خزيمة في السنة الثالثة والرابعة، ثم تزوجزينب بنت جحش في الخامسة، ثم جويرية في السادسة، ثم صفية، وأم حبيبة، وميمونة في السابعة، وهؤلاء جميع من دخل بهن من الزوجات بعد الهجرة على المشهور.
واختلف في ريحانة - وكانت من سبي بني قريظة - فجزم ابن إسحاق بأنه عرض عليها أن يتزوجها، ويضرب عليها الحجاب، فاختارت البقاء في ملكه، والأكثر على أنها ماتت قبله في سنة عشر، وكذا ماتت زينب بنت خزيمة بعد دخولها عليه بقليل. قال ابن عبد البر: مكثت عنده شهرين أو ثلاثة.
فعلى هذا لم يجتمع عنده من الزوجات أكثر من تسع، مع أن سودة كانت وهبت يومها لعائشة، فرجحت رواية سعيد، لكن تحمل رواية هشام على أنه ضم مارية وريحانة إليهن، وأطلق عليهن لفظ (نسائه) تغليبا.
قال أبو حاتم رضي الله تعالى عنه: في خبر هشام الدستوائي عن قتادة: (وله يومئذ تسع نسوة).
أما خبر هشام، فإن أنسا حكى ذلك الفعل منه صلى الله عليه وسلم في أول قدومه المدينة، حيث كانت تحته إحدى عشرة امرأة، وخبر سعيد عن قتادة إنما حكاه أنس في آخر قدومه المدينة صلى الله عليه وسلم، حيث كانت تحته تسع نسوة، لأن هذا الفعل كان منه صلى الله عليه وسلم مرارا كثيرة، لا مرة واحدة، (الإحسان): 4 / 10 - 11، كتاب الطهارة، باب (7) أحكام الجنب، حديث رقم (1209)، (المواهب اللدنية): 2 / 479، باب قوته صلى الله عليه وسلم في النكاح، ثم قال القسطلاني: ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم لما خير بين أن يكون نبيا ملكا أبى ذلك، واختار أن يكون نبيا عبدا، فأعطي من الخصوصية ذلك القدر لكونه صلى الله عليه وسلم اختار الفقر والعبودية، فأعطي الزائد لخرق العادة في النوع الذي اختار، وهو الفقر والعبودية، فكان صلى الله عليه وسلم يربط على بطنه الأحجار من شدة الجوع والمجاهدة، وهو على حاله في الجماع، لم ينقصه شيئا، والناس أبدا إذا أخذهم الجوع والمجاهدة لا يستطيعون ذلك، فهو أبلغ في المعجزة. قاله في (بهجة النفوس).
والله تعالى أعلم. (المرجع السابق): 485.