قال: كنا في الصفة عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأتته امرأة مهاجرة ومعها ابن لها قد بلغ، فأضاف المرأة إلى النساء وأضاف ابنها إلينا، فلم يلبث أن أصابه وباء المدينة، فمرض أياما ثم قبض، فغمضه النبي (صلى الله عليه وسلم) وأمر بجهازه، فلما أردنا أن نغسله قال: يا أنس، ائت أمه فأعلمها، قال: فأعلمتها، فجاءت حتى جلست عند قدميه فأخذت بهما ثم قالت اللهم إني أسلمت لك طوعا، وخلعت الأوثان زهدا، وهاجرت إليك رغبة، اللهم لا تشمت بي عبدة الأوثان، ولا تحملني من هذه المصيبة ما لا طاقة لي بحملها.
قال: فوالله [ما انقضى] (1) كلامها حتى حرك قدميه وألقى الثوب عن وجهه، وعاش حتى قبض الله رسوله وحتى هلكت أمه، ثم [قال:] (2) جهز عمر بن الخطاب رضي الله عنه يعني جيشا - واستعمل فيه العلاء بن الحضرمي.
قال: وكنت في غزاته فأتينا مفازة (3) فوجدنا القوم قد نذروا بنا فعفوا آثار الماء، قال: والحر شديد فجهدنا [العطش] (2) ودوابنا، وذلك يوم الجمعة [قال:] (2) [فلما مالت] (2) الشمس لقرنها (4) صلى بنا ركعتين ثم مد يده وما نرى في السماء شيئا، قال: فوالله ما حط يده حتى بعث الله ريحا وأنشأ سحابا.
فأفرغت حتى ملأت الغدر والشعاب (5)، فشربنا، وسقينا واستقينا، ثم أتينا عدونا وقد جاوزوا خليجا في البحر إلى جزيرة، فوقف على الخليج وقال: يا علي يا عظيم [يا حليم] (5) يا كريم، ثم قال: أجيزوا بسم الله. قال: فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا، فأصبنا العدو غيلة، فقتلنا، وأسرنا وسبينا، ثم أتينا الخليج، فقال مثل مقالته، فأجزنا ما يبل الماء حوافر دوابنا. فلم يلبث إلا يسيرا حتى رؤي في دفنه، فحفرنا له وغسلناه ودفناه.
فجاء رجل يعدو [بعد] فراغنا من دفنه فقال: من هذا؟ فقلنا: هذا خير البشر.