وجاء ونحن عنده إذا جاءه الذئب حتى أقعى بين يديه، ثم بصبص بذنبه، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذا الذئب وهذا وافد الذئاب، فما ترون؟ أتجعلون له في أموالكم شيئا؟ فقال الراعي: لا والله يا رسول الله، لا نجعل له من أموالنا شيئا، فقام إليه رجل من الناس فرماه بحجر، فأدبر وله عواء، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): الذئب وما الذئب ثلاث مرات (1).
(١) (المرجع السابق): ٦ / ٤٠، (البداية والنهاية): ٦ / ١٦١، باب حديث آخر عن أبي هريرة في الذئب، نقلا عن المرجع السابق.
قال القسطلاني في (المواهب اللدنية) في باب معجزات كلام الحيوانات: ومنها قصة كلام الذئب، وشهادته له بالرسالة، ثم قال: اعلم أنه قد جاء حديث قصة كلام الذئب في عدة طرق من حديث أبي هريرة، وأنس، وابن عمر، وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهم.
فأما حديث أبي سعيد، فرواه الإمام أحمد بإسناد جيد، وأما حديث ابن عمر، فأخرجه أبو سعيد الماليني والبيهقي، وأما حديث أنس، فأخرجه أبو نعيم في (الدلائل)، وأما حديث أبي هريرة، فرواه سعيد بن منصور في سننه، ورواه البغوي في (شرح السنة)، وأحمد وأبو نعيم بسند صحيح عن أبي هريرة أيضا، قال: جاء ذئب إلى راعي غنم فأخذ منه شاة... الحديث، (المواهب اللدنية):
2 / 552.
وقال القاضي عياض: وفي بعض الطرق عن أبي هريرة: فقال الذئب: أنت أعجب مني، واقفا على غنمك، وتركت نبيا لم يبعث الله قط أعظم عنده قدرا، وقد فتحت له أبواب الجنة، وأشرف أهلها على أصحابه ينظرون قتالهم، وما بينك وبينه إلا هذا الشعب، فتصير من جنود الله. قال الراعي:
من لي بغنمي؟ قال الذئب: أنا أرعاها حتى ترجع، فأسلم الرجل إليه غنمه ومضى، وذكر قصته وإسلامه ووجوده النبي (صلى الله عليه وسلم)يقاتل، فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم): عد إلى غنمك تجدها بوفرها، فوجدها كذلك، وذبح للذئب شاة منها.
وقد روى ابن وهب مثل هذا، أنه جرى لأبي سفيان بن حرب، وصفوان بن أمية، مع ذئب وجداه أخذ ظبيا، فدخل الظبي الحرم، فانصرف الذئب، فعجبا من ذلك، فقال الذئب: أعجب من ذلك: محمد بن عبد الله بالمدينة! يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار، فقال أبو سفيان: واللات والعزى، لئن ذكرت هذا بمكة لتتركنها خلوفا. (المواهب اللدنية): 2 / 552 - 553، (الشفا بتعريف حقوق المصطفى): 1 / 204 - 205، فصل في الآيات في ضروب الحيوانات، خلوفا - بضم الخاء المعجمة - أي فاسدة متغيرة، بمعنى الفساد والتغير في أهلها.