نبيك هذا يتيما، فقال الله للملائكة: أنا له ولي وحافظ ونصير، وتباركوا بمولده، فمولده ميمون مبارك، وفتح الله تعالى لمولده أبواب السماء وجنانه.
فكانت آمنة تحدث عن نفسها وتقول: أتاني آت حين مر بي من حمله ستة أشهر، فوكزني برجله في المنام وقال لي: يا آمنة، إنك قد حملت بخير العالمين طرا، فإذا ولدتيه فسميه محمدا، واكتمي شأنك.
قال فكانت تحدث عن نفاسها وتقول: لقد أخذني ما يأخذ النساء ولم يعلم بي أحد من القوم، ذكر ولا أنثى، وإني لوحيدة في المنزل - وعبد المطلب في طوافه - قالت: فسمعت رجة شديدة وأمرا عظيما فهالني، وذلك يوم الاثنين فرأيت كأن جناح طير أبيض قد مسح على فؤادي، فذهب عني كل رعب وكل فزع ووجع كنت أجد.
ثم التفت فإذا أنا بشربة بيضاء ظننتها لبنا - وكنت عطشى - فتناولتها فشربتها، فأضاء مني نور عال، ثم رأيت نسوة كالنخل طولا (1)، كأنهن من بنات عبد مناف يحدقن بي، فبينا أنا أعجب وأقول: وا غوثاه، من أين علمن بي هؤلاء، واشتد الأمر وأنا أسمع الوجبة في كل ساعة أعظم وأهول، فإذا أنا بديباح قد مد بين السماء والأرض وإذا قائل يقول: خذوه عن أعين الناس.
قالت: ورأيت رجالا قد وقفوا في الهواء بأيديهم أباريق فضة، وأنا أرشح عرقا كالجمان، أطيب ريحا من المسك الإذفر وأقول: يا ليت عبد المطلب قد دخل علي وعبد المطلب نائي.
قالت: فرأيت قطعة من الطير قد أقبلت من حيث لا أشعر حتى غطت حجرتي، مناقيرها من الزمرد وأجنحتها من اليواقيت، فكشف الله لي عن بصري، فأبصرت ساعتي تلك مشارق الأرض ومغاربها، ورأيت ثلاثة أعلام مضروبات:
علما في المشرق وعلما في المغرب وعلما على ظهر الكعبة، فأخذني المخاض واشتد بي الأمر جدا، فكنت كأني مستندة إلى أركان النساء، وكثرن علي حتى لا أرى