إمتاع الأسماع - المقريزي - ج ٤ - الصفحة ٤٢
فخرج به عبد المطلب حتى أتى به وهب بن عبد مناف بن زهرة - ووهب يومئذ سيد بني زهرة نسبا وشرفا - فزوجه آمنة بنت وهب، وهي يومئذ أفضل امرأة في قريش نسبا وموضعا (1) قال: وذكروا أنه دخل عليها حين أملكها (2) مكانه، فوقع عليها فحملت برسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ثم خرج من عندها حتى أتى المرأة التي قالت له ما قالت - وهي أخت ورقة ابن نوفل بن أسد بن عبد العزى - وهي في مجلسها، فجلس إليها وقال: مالك لا تعرضين علي اليوم مثل الذي عرضت أمس؟.
قالت (3): فارقك (4) النور الذي كان فيك، فليس لي بك اليوم حاجة، وكانت فيما زعموا تسمع من أخيها ورقة ابن نوفل - وكان قد تنصر واتبع الكتب - يقول: إنه لكائن في هذه الأمة نبي من بني إسماعيل (5)، فقالت في ذلك شعرا فذكره (6)، واسمها أم قتال بنت نوفل بن أسد.

(1) [وهي لبرة بنت عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار بن قصي. وأم برة: أم حبيب بنت أسد بن عبد العزى بن قصي. وأم حبيب بنت أسد: لبرة بنت عوف بن عبيد بن عدي بن عدي بن كعب ابن لؤي بن غالب بن فهر] ما بين الحاصرتين زيادة من (دلائل البيهقي)، و (ابن هشام)، و (تاريخ الطبري).
(2) كذا في (خ)، وفي (الطبري)، و (ابن هشام)، وفي (البيهقي): (ملكها).
(3) كذا في (خ)، و (ابن هشام)، وفي (الطبري)، و (البيهقي): (فقالت).
(4) في (البيهقي): (قد فارقك).
(5) (دلائل البيهقي): 1 / 102 - 104، باب تزوج عبد الله بن عبد المطلب: أبي النبي صلى الله عليه وسلم بآمنة بنت وهب، وحملها برسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعها إياه، (سيرة ابن هشام). 1 / 292 باب ذكر المرأة المتعرضة لنكاح عبد الله بن عبد المطلب، (تاريخ الطبري): 2 / 243 - 244.
(6) هذا الشعر ذكره البيهقي في (الدلائل)، حيث قالت أم قتال بنت نوفل بن أسد:
آلآن وقد ضيعت ما كنت قادرا * عليه وفارقك الذي كان جاءك غدوت علي حافلا قد بذلته * هناك لغيري فالحقن بشانكا ولا تحسبني اليوم خلوا وليتني * أصبت جنينا منك يا عبد داركا ولكن ذاكم صار في آل زهرة * به يدعم الله البرية ناسكا وقالت أيضا:
عليك بآل زهرة حيث كانوا * وآمنة التي حملت غلاما ترى المهدي حين ترى عليه * ونورا قد تقدمه أماما وقالت أيضا:
فكل الخلق يرجوه جميعا * يسود الناس مهتديا إماما برأه الله من نور صفاء * فأذهب نوره عنا الظلاما وذلك صنع ربك إذا حباه * إذا ما سار يوما أو أقاما فيهدي أهل مكة بعد كفر * ويفرض بعد ذلكم الصياما قال البيهقي: قلت: وهذا الشئ قد سمعته من أخيها في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم. ويحتمل أن كانت أيضا امرأة عبد الله مع آمنة.
قال الدكتور عبد المعطي قلعجي محقق (دلائل البيهقي) تعليقا على هذا الخبر: خبر غريب موضوع، لا سند له، ولا منطق يؤيده، ويناقض الأحاديث الصحيحة، تناقلته كتب السيرة بما دسه عليها أعداء الإسلام، من يهود، وسبيئة، وشانئين، ومنافقين.
1 - فرغم ما عرف عن تمسك المؤرخين بالسند، وأن كل الأخبار الصحيحة وردت بالسند القوي المتواتر، فهذا الخبر ليس له سند، فلا هو بمتصل، ولا بمرفوع، لا، بل نقله (الطبري):
2 / 243، [ابن هشام: 1 / 291]، [البيهقي: 1 / 102]، [المقريزي في النسخة (خ) من إمتاع الأسماع]، [بقولهم جميعا]: (فيما يزعمون).
2 - إن متنه وما تضمنه من حكاية المرأة التي عرضت الزنا على عبد الله وهو حديث عهد بزواج، تناقض الأحاديث الصحيحة، من طهارة وشرف نسب الأنبياء، وأن هذه الطهارة، وهذا الشرف من دلائل نبوتهم، قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله اصطفى بني كنانة من نبي إسماعيل، واصطفى من بني كنانة قريشا، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم).
وهذا الحديث في الترمذي ومسند أحمد، وأن الله طهره من عهر الجاهلية وأرجاسها، ووالده عبد الله كان صورة طبق الأصل من عبد المطلب، ولو أمهله الزمن لتولى مناصب الشرف التي كانت بيد عبد المطلب، وكان شعاره الذي التزمه طيلة حياته:
* أما الحرام فالممات دونه * رجل هذا شأنه، هل نطمئن إلى هذه الروايات المزعومة، وأنه بعد أن دخل بزوجته آمنة، عاد فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت فقال لها: (مالك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت علي بالأمس؟)!!.
3 - تخبطت الروايات في اسم المرأة، فهي مرة امرأة من خثعم، أم قتال أخت ورقة ابن نوفل، ومرة هي ليلى العدوية، ومرة كاهنة من أهل قبالة متهودة، ومرة أنه كان متزوجا بامرأة أخرى غير آمنة... الخ هذا التخبط الدال على الكذب، ولماذا اختار الرواة أخت ورقة ابن نوفل، أو امرأة كانت قد قرأت الكتب؟!.
4 - إننا إذا نظرنا إلى الشعر الوارد في هذا الخبر على لسان المرأة، لوجدناه شعرا ركيكا، مزيفا، مصنوعا، ملفقا، مضطرب القافية، محشورة الكلمات فيه بشكل مصطنع واضح الدلالة على تلفيقه، وبهذا كله يسقط هذا الخبر الواهي، ويدل على هذا قول ابن إسحاق، والطبري، [والبيهقي]، و [المقريزي]، وغيرهم ممن نقلوا الخبر - فيما يزعمون - وهو زعم باطل. (دلائل البيهقي) 1 / 104 - 105 (هامش).
(٤٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 37 38 39 40 41 42 44 45 46 47 48 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 ومن حديث محمد بن كعب القرظي 3
2 فصل في ذكر ما كان من أعلام نبوة رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ حملت به أمه آمنة بنت وهب إلى أن بعثه الله برسالته 34
3 إخبار الحبر لعبد المطلب بأن في إحدى يديه ملكا وفي الأخرى نبوة وأن ذلك في بني زهرة 36
4 وأما رؤية النور بين عيني عبد الله بن عبد المطلب 38
5 وأما إخبار آمنة بأنها قد حملت بخير البرية وسيد هذه الأمة 45
6 وأما دنو النجوم منها عند ولادته وخروج النور منها 52
7 وأما ولادته مختونا مسرورا 57
8 وأما استبشار الملائكة وتطاول الجبال وارتفاع البحار وتنكيس الأصنام وحجب الكهان 58
9 وأما ارتجاس إيوان كسرى وسقوط شرفاته وخمود نار فارس ورؤيا الموبذان 60
10 وأما صرف أصحاب الفيل عن مكة المكرمة 63
11 وكان مولده صلى الله عليه وسلم عام الفيل 66
12 وأما الآيات التي ظهرت في مدة رضاعته صلى الله عليه وسلم 84
13 وأما معرفة اليهود له صلى الله عليه وسلم وهو غلام مع أمه بالمدينة، واعترافهم إذ ذاك بنبوته صلى الله عليه وسلم 93
14 وأما توسم جده فيه السيادة لما كان يشاهد منه في صباه من مخايل الرباء 95
15 وأما إلحاق القافة قدمه بقدم إبراهيم عليه السلام وتحدث يهود بخروج نبي من ضئضيء عبد المطلب 97
16 وأما رؤية عمه أبي طالب منذ كفله ومعرفته بنبوته 99
17 وأما تظليل الغمام له في صغره واعتراف بحيرى ونسطورا بنبوته 102
18 فصل في رعاية رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنم قبل النبوة 103
19 فصل في ذكر اشتهار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالأخلاق الفاضلة والخصال الحميدة قبل بعثته بالرسالة من الله تعالى إلى العباد 106
20 فصل في ذكر عصمة الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم من الجن والإنس والهوام 111
21 فصل في ذكر حراسة السماء من استراق الشياطين السمع عند بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم برسالات الله تعالى لعباده 132
22 فصل في ذكر بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم 136
23 فأما شبهة منكري التكليف 137
24 وأما شبهة البراهمة 137
25 وأما شبهة منكري كون الشرائع من عند الله 138
26 وأما شبهة اليهود 138
27 وأما بعثة الرسول هل هي جائزة أو واجبة؟ 139
28 وأما الأدلة على صحة دين الإسلام وصدق نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم 140
29 الحجة الثانية 142
30 الحجة الثالثة 143
31 الحجة الرابعة 144
32 الحجة الخامسة 145
33 الحجة السادسة 146
34 الحجة السابعة 147
35 الحجة الثامنة 148
36 الحجة التاسعة 149
37 الحجة العاشرة 150
38 وأما تقرير نسخ الملة المحمدية لسائر الملل 151
39 وأما التوراة التي هي الآن بأيدي اليهود ليست التوراة التي أنزلها الله على موسى عليه السلام 161
40 فلحقها ثلاثة أمور 164
41 ومنها أن الله تجلى لموسى في سيناء 166
42 وهذه نبذة من مقتضيات غضب الله تعالى عليهم 168
43 بحث تاريخي عن الأناجيل التي بين يدي النصارى 171
44 المعجزة في رأي المتكلمين 176
45 الآية 179
46 تنبيه وإرشاد لأهل التوفيق والرشاد 182
47 فصل في ذكر موازاة الأنبياء في فضائلهم بفضائل نبينا صلى الله عليه وسلم ومقابلة ما أتوا من الآيات بما أوتي عليه السلام 183
48 وأما إبراهيم عليه السلام 187
49 وأما هود عليه السلام 192
50 وأما صالح عليه السلام 193
51 وأما إدريس عليه السلام 194
52 وأما يعقوب عليه السلام 195
53 وأما ذرية يعقوب عليه السلام الذين هم بنو إسرائيل 197
54 وأما يوسف عليه السلام 198
55 وأما موسى عليه السلام 200
56 وأما ضرب موسى البحر بعصاه وجازه بأصحابه 202
57 وأما هارون عليه السلام 206
58 وأما داود عليه السلام 207
59 وأما سليمان عليه السلام 209
60 وأما يحيى بن زكريا عليهما السلام 212
61 وأما عيسى عليه السلام 214
62 أما القرآن الكريم 225
63 أما إعجاز القرآن الكريم 228
64 وأما كيفية نزوله والمدة التي أنزل فيها 237
65 وأما جمع القرآن الكريم فقد وقع ثلاث مرات 239
66 وأما الأحرف التي أنزل عليها القرآن 249
67 الناسخ والمنسوخ 282
68 القراءات التي يقرأ بها القرآن 287
69 التابعون بالمدينة المنورة من القراء 293
70 التابعون بمكة المشرفة من القراء 297
71 التابعون بالبصرة من القراء 300
72 التابعون بالشام من القراء 303
73 التابعون بالكوفة من القراء 305
74 القراءات المشهورة 315
75 تحريم الصلاة بالقراءة الشاذة 318
76 ترتيب نزول القرآن بمكة 332
77 ترتيب نزول القرآن بالمدينة 334
78 تتمة مفيدة 336
79 فصل في ذكر أخذ القرآن ورؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقلوب حتى دخل كثير من العقلاء في الإسلام في أول ملاقاتهم له 341
80 إسلام الطفيل بن عمرو الدوسي 357
81 الهجرة الأولى إلى الحبشة 363
82 إسلام أبي ذر 370
83 ذكر إسلام عمر بن عبسة السلمي وما أخبره أهل الكتاب من بعث النبي صلى الله عليه وسلم 378
84 تنبيه مفيد 381
85 فصل جامع في معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبيل الإجمال 390