يا حبيب الله على [أية] ناحية شئت.
قالت: فدرت لأنظر أين قبض من الطست، فإذا هو قد قبض على وسطها، فسمعت القائل يقول: قبض على الكعبة ورب الكعبة، أما إن الله قد جعلها له قبلة ومسكنا مباركا، ورأيت في يد الثالث حريرة بيضاء مطوية طيا شديدا فنشرها، فأخرج منها خاتما تحار أبصار الناظرين دونه، ثم حمل ابني فناوله صاحب الطست وأنا أنظر إليه، فغسله بذلك الإبريق سبع مرات، ثم ختم بين كتفيه بالخاتم ختما واحدا ولفه في الحريرة، واستدار عليه خطا من المسك الإذفر، ثم حمله فأدخله بين أجنحته ساعة.
قال ابن عباس: كان ذلك رضوان خازن الجنان، وقال في أذنه كلاما كثيرا لم أفهمه، وقبل بين عينيه وقال: أبشر يا محمد، فما بقي لنبي علم إلا أعطيته، فأنت أكثرهم علما وأشجعهم قلبا، معك مفاتيح النصر، وقد ألبست الخوف والرعب، ولا يسمع أحد بذكرك إلا وجل في فؤاده، وخاف قلبه، وإن لم يرك يا حبيب الله.
قالت: ثم رأيت رجلا قد أقبل نحوه حتى وضع فاه على فيه، فجعل يزقه كما تزق الحمامة فرخها، فكنت أنظر إلى ابني يشير بأصبعه يقول: زدني، زدني فزقه ساعة ثم قال: أبشر يا حبيبي، فما بقي لنبي حلم إلا وقد أوتيته.
ثم احتمله فغيبه عني، فجزع فؤادي وذهل قلبي فقلت: ويح لقريش والويح لها؟ ماتت كلها، أنا في ليلتي وفي ولادتي، أرى ما أرى، ويصنع بي ما يصنع ولا يقربني أحد من قومي، إن هذا لهو أعجب العجب.
قالت: فبينا أنا كذلك إذا أنا به رد علي كالبدر، وريحه يسطح كالمسك وهو يقول: خذيه، فقد طافوا به الشرق والغرب على مواليد الأنبياء أجمعين، والساعة كان عند أبيه آدم فضمه إليه، وقبله بين عينيه، وقال: أبشر حبيبي، فأنت سيد الأولين والآخرين، ومضى، وجعل يلتفت ويقول: أبشر يا عز الدنيا وشرف الآخرة، فقد استمسكت بالعروة الوثقى، فمن قال بمقالتك وشهد بشهادتك حشر غدا يوم القيامة تحت لوائك وفي زمرتك، وناولنيه ومضى، ولم