والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وإن أسفله لمغدق، وما يقول هذا بشر. قال: وكذلك رواه معمر عن عباد بن منصور، عن عكرمة مرسلا، ورواه أيضا معتمر بن سليمان عن أبيه، فذكره أتم من ذلك مرسلا، وكل ذلك يؤكد بعضه بعضا.
وله من حديث يونس بن بكير عن ابن إسحاق [قال: حدثني محمد بن أبي محمد عن ابن عباس] (1)، أن الوليد بن المغيرة اجتمع ونفر من قريش - وكان ذا سن فيهم - وقد حضر الموسم فقال: إن وفود العرب ستقدم عليكم فيه، وقد سمعوا بأمر صاحبكم هذا، فأجمعوا فيه رأيا واحدا، ولا تختلفوا فيكذب بعضكم بعضا، ويرد قول بعضكم بعضا.
فقالوا: أنت يا أبا عبد شمس، فقل وأقم لنا رأيا نقوم به، فقال: بل أنتم، فقولوا أسمع، فقالوا: نقول كاهن، فقال ما هو بكاهن، لقد رأيت الكهان فما هو بزمزمة الكاهن وسحره، فقالوا: نقول مجنون، فقال: ما هو بمجنون، ولقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه ولا مخالجته ولا وسوسته، قال: فنقول شاعر، قال: ما هو بشاعر، قد عرفنا الشعر برجزه وهزجه وقريضه، ومقبوضه ومبسوطه، فما هو بالشعر، قال: فنقول ساحر، فما هو بساحر، قد رأينا السحار وسحرهم، فما هو بنفثه ولا عقده، قالوا: ما تقول يا أبا عبد شمس؟ قال: والله إن لقوله حلاوة، إن أصله لمغدق، وإن فرعه لجني، فما أنتم بقائلين من هذا شيئا إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول لأن تقولوا: ساحر، فيقولوا: ساحر يفرق بين المرء وبين أبيه، وبين المرء وبين أخيه، وبين المرء وبين [زوجه]، وبين المرء وبين عشيرته، فيتفرقوا عنه بذلك، فجعلوا يجلسون للناس حين قدموا الموسم لا يمر بهم أحد إلا حذروه إياه، وذكروا لهم من أمره فأنزل الله تعالى في الوليد ابن المغيرة [من] قوله: (ذرني ومن خلقت وحيدا) إلى قوله: (سأصليه سقر)، وأنزل الله في النفر الذين كانوا معه ويطيعون له القول في رسول الله فيما جاء به من هدي الله: (الذين جعلوا القرآن عضين)، أي أصنافا، (فوربك لنسألنهم أجمعين)، أولئك النفر الذين يقولون ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أتوا من