هذا لأحد من الناس أن يضعه، لبطل معنى قول الله تعالى: ﴿إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون﴾ (1)، ثم إن هذه الرواية الكثيرة لما انتشرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وافترق الصحابة في البلدان، وجاء الخلف، وقراء القرآن كثير من غير العرب، ووقع بين أهل الشام والعراق ما ذكره حذيفة بن اليمان رضي الله عنه.
وذلك أنهم اجتمعوا في غزوة أرمينية، فقرأت كل طائفة بما روى لها، فاختلفوا وتنازعوا حتى قال بعضهم لبعض: أنا كافر بما تقرأ به، فأشفق حذيفة بما رأى منهم.
فلما قدم حذيفة المدينة - فيما ذكر البخاري وغيره - دخل إلى عثمان بن عفان رضي الله عنه قبل أن يدخل بيته فقال: أدرك هذه الأمة قبل أن تهلك، قال:
[في ماذا]؟ قال: في كتاب الله، إني حضرت هذه الغزوة وجمعت ناسا من العراق ومن الحجاز، ومن الشام، فوصف له ما تقدم، وقال: إني أخشى عليهم أن يختلفوا في كتابهم كما اختلف اليهود النصارى، قال عثمان: أفعل، فتجرد الأمر واستناب الكفاءة من العلماء الفصحاء في أن يكتبوا القرآن، ويجعلوا ما اختلف القراءة فيه على أشهر الروايات عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفصح اللغات، وقال لهم: إذا اختلفتم في شئ فاكتبوه بلغة قريش.
فمعنى هذا: إذا اختلفتم فيما روي وإلا فمحال أن يحملهم على اختلافهم من قبلهم، فكتبوا في القرآن من كل اللغات السبع، مرة من هذه، ومرة من هذه، وذلك مقيد بأن الجميع مما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم وقرئ عليه، واستمر الصحابة رضي الله عنهم على هذا المصحف المتخير، وترك ما سواه مما كان كتب تفسيرا ونحوه، سدا للذريعة، وتغليبا لمصلحة الألفة، وهي المصاحف التي أمر عثمان رضي الله عنه أن تحرف أو تمزق.
ألا ترى أن ابن مسعود رضي الله عنه أبي أن يزال مصحفه؟ فترك، ولكن أبى العلماء قراءته سدا للذريعة، ولأنه روي أنه كتب فيه [سورة] (2) النساء على