فكان يشق على كل ذي لغة منهم أن يتحول إلى غيرها من اللغات، ولو دام ذلك لم يتهيأ له إلا بمشقة عظيمة، فوسع لهم في اختلاف الألفاظ إذا كان المعنى متفقا، فكانوا كذلك حتى كبر من يكتب منهم، وحتى عادت لغاتهم إلى لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقرؤوا بذلك على تحفظ ألفاظه، فلم يسعهم حينئذ أن يقرؤوا بخلافها.
وبان بما ذكرنا أن تلك السبعة الأحرف إنما كانت في وقت خاص لضرورة دعت إلى ذلك، ثم ارتفعت تلك الضرورة، فارتفع حكم هذه السبعة الأحرف، وعاد ما يقرأ به القرآن إلى حرف واحد. واحتج بحديث أبي بن كعب المذكور في هذا الباب من رواية ابن أبي ليلى عنه، قوله فيه: إن أمتي لا تطيق ذلك في الحرف والحرفين والثلاثة، حتى بلغ السبعة، واحتج بحديث عمر مع هشام بن حكيم، واحتج بجمع أبي بكر الصديق رضي الله عنه للقرآن في جماعة الصحابة، ثم كتاب عثمان رضي الله عنه لذلك، وكلاهما عول فيه على زيد بن ثابت. فأما أبو بكر رضي الله عنه فأمر زيدا بالنظر فيما جمع منه، وأما عثمان رضي الله عنه فأمره بإملائه من تلك الصحف التي كتبها أبو بكر، وكانت عند حفصة رضي الله عنها.
وقال بعض المتأخرين من أهل العلم بالقرآن: تدبرت وجوه الاختلاف في القراءة فوجدتها سبعة، منها ما يتغير حركته ولا يزول معناه ولا صورته، مثل:
﴿أطهر لكم﴾ (١)، و (أطهر لكم)، و ﴿ويضيق صدري﴾ (٢)، و (ويضيق صدري)، ونحو هذا.
ومنها ما يتغير معناه ويزول بالإعراب ولا يتغير صورته، مثل قوله: (ربنا باعد بين أسفارنا) (٣)، و (ربنا باعد بين أسفارنا).
ومنها ما يتغير معناه بالحروف واختلافها بالإعراب ولا يتغير صورته، مثل قوله: ﴿إلى العظام كيف ننشزها﴾ (4)، و (ننشرها).