وقد كان عيسى يخبر بالغيوب، وينبئ قومه بما يأكلون في بيوتهم ويدخرونه، ونبينا صلى الله عليه وسلم له في هذا المقام الذي لا فوقه: فإن عيسى إنما كان يخبر بما كان من وراء جدار، ونبينا كان يخبر بما كان منه بمسيرة شهر وأكثر، كإخباره بموت النجاشي، وبقتل زيد وجعفر وابن رواحة في مؤتة، وكان يأتيه السائل ليسأله عن شئ فيقول له: إن شئت أخبرتك بما جئت تسأل عنه أو تسأل فأخبرك؟ فيقول: لا بل أخبرني فيخبره بما في نفسه.
وأخبر عمير بن وهب الحمجي بما تواطأ عليه هو وصفوان بن أمية لما قعدا بمكة في الحجر في الفتك به صلى الله عليه وسلم بعد مصاب أهل بدر.
وأخبر عمه العباس لما أسر ببدر وأراد أن يفاديه فقال: ليس لي مال، فقال:
أين مالك الذي أودعته أم الفضل لما أردت الخروج وعهدت إليها فيه؟.
وبعث عليا والزبير إلى سارة، وقد حملت كتاب حاطب إلى أهل مكة فأخرجاه منها، وقال لعبد الله بن أنيس لما بعثه إلى الهذلي بوادي عرفة: إذ رأيته هبته، وأطلعه الله في منصرفه من تبوك على موضع ناقته وقد ضلت.
وأخبر بموت كسرى في وقت قتله، وأخبر صلى الله عليه وسلم بأشياء قبل كونها فوقعت كما قال، وبشر بما يجري على أمته بعد موته، فكان مثل ما وعد به، فمما أخبر بكونه:
قول الله تعالى: [وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله] (1)، فكفاه الله ووفاه ما وعده من نصره، وأباد المستهزئين.
وقوله تعالى: [قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم] (2)، فكان كما وعده الله، غلبوا وقتلوا، ويحشرون إلى النار.
وقوله تعالى: [ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلون] (3)، فكان كما وعده.