لم يعهد مثله من ثلاثمائة سنة ولله الحمد والمنة، ونودي في البلد في هذا اليوم والذي بعده عن النائب: من وجد سكرانا فلينزله عن فرسه وليأخذ ثيابه، ومن أحضره من الجند إلى دار السعادة فله خبزة، ففرح الناس بذلك واحتجر على الخمارين والعصارين، ورخصت الأعتاب وجادت الأخباز واللحم بعد أن كان بلغ كل رطل أربعة ونصفا، فصار بدرهمين ونصف، وأقل، وأصلحت المعايش من هيبة النائب، وصار له صيت حسن، وذكر جميل في الناس بالعدل وجودة القصد وصحة الفهم وقوة العدل والادراك.
وفي يوم الاثنين ثامن عشر شعبان وصل الأمير أحمد بن شاد الشريخاناه الذي كان قد عصى في صفد، وكان من أمره ما كان، فاعتقل بالإسكندرية ثم أخرج في هذه الدولة وأعطي نيابة حماة فدخل دمشق في هذا اليوم سائرا إلى حماة، فركب مع النائب مع الموكب وسير عن يمينه ونزل في خدمته إلى دار السعادة، ورحل بين يديه. وفي يوم الخميس الحادي والعشرين منه دخل الأمير سيف الدين يلبغا (1) الذي كان نائبا بالديار المصرية، ثم مسك بالحجاز وأودع الكرك، ثم أخرج في هذه الدولة وأعطي نيابة حلب، فتلقاه نائب السلطنة وأنزل دار السعادة حين أضافه. ونزل وطاقه بوطأة برزة وضربت له خيمة بالميدان الأخضر.
ثم دخلت سنة ثلاث وخمسين وسبعمائة استهلت هذه السنة وسلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والحرمين الشريفين وما يتبع ذلك الملك الصالح صلاح الدين، صالح بن السلطان الملك الناصر محمد بن الملك المنصور قلاوون، والخليفة الذي يدعى له المعتضد بأمر الله، ونائب الديار المصرية الأمير سيف الدين قبلاي، وقضاة مصر هم المذكورون في التي قبلها، والوزير القاضي ابن زنبور، وأولوا الامر الذين يدبرون المملكة فلا تصدر الأمور إلا عن آرائهم لصغر السلطان المذكور (2) جماعة من أعيانهم ثلاثة سيف الدين شيخون، وطاز وحر عيمش، ونائب دمشق الأمير سيف الدين أرغون الكاملي، وقضاتها هم المذكورون في التي قبلها، ونائب البلاد الحلبية الأمير سيف الدين يلبغا (1) أروش، ونائب طرابلس الأمير سيف الدين بكلمش، ونائب حماة الأمير شهاب الدين أحمد بن مشد الشريخانة، ووصل بعض الحجاج إلى دمشق في تاسع الشهر - وهذا نادر - وأخبروا بموت المؤذن شمس الدين ابن سعيد بعد منزلة في المدابغ.
وفي ليلة الاثنين سادس عشر صفر في هذه السنة وقع حريق عظيم عند باب جيرون شرقيه