بعزل (1) الأمير علي عن نيابة دمشق، فأحضر الأمراء إلى دار السعادة وقرئ المرسوم الشريف عليهم بحضوره، وخلع عليه خلعة وردت مع البريد، ورسم له بقرية دومة وأخرى فبلاد طرابلس على سبيل الراتب، وأن يكون في أي البلاد شاء من دمشق أو القدس أو الحجاز، فانتقل من يومه من دار السعادة وبباقي أصحابه ومماليكه، واستقر نزوله في دار الخليلي بالقصاعين التي جددها وزاد فيها دويداره يلبغا، وهي دار هائلة، وراح الناس للتأسف عليه والحزن له انتهى.
طلب قاضي القضاة تاج الدين عبد الوهاب بن السبكي الشافعي إلى الديار المصرية ورد البريد بطلبه من آخر نهار الأحد بعد العصر الحادي عشر من شعبان سنة ثلاث وستين وسبعمائة، فأرسل إليه حاجب الحجاب قماري وهو نائب الغيبة أن يسافر من يومه، فاستنظرهم إلى الغد فأمهل، وقد ورد الخبر بولاية أخيه الشيخ بهاء الدين بن السبكي بقضاء الشام عوضا عن أخيه تاج الدين، وأرسل يستنيب ابن أختهما قاضي القضاة تاج الدين في التأهب والسير، وجاء الناس إليه ليودعوه ويستوحشون له، وركب من بستانه بعد العصر يوم الاثنين ثاني عشر شعبان، متوجها على البريد إلى الديار المصرية، وبين يديه قضاة القضاء والأعيان، حتى قاضي القضاة بهاء الدين أبو البقاء السبكي، حتى ردهم قريبا من الجسورة ومنهم من جاوزها والله المسؤول في حسن الخاتمة في الدنيا والآخرة، انتهى والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
أعجوبة أخرى غريبة لما كان يوم الثلاثاء العشرين من شعبان دعيت إلى بستان الشيخ العلامة كمال الدين بن الشريشي شيخ الشافعية وحضر جماعة من الأعيان منهم الشيخ العلامة شمس الدين بن الموصلي الشافعي، والشيخ الامام العلامة صلاح الدين الصفدي، وكيل بيت المال، والشيخ الامام العلامة شمس الدين الموصلي الشافعي، والشيخ الامام العلامة مجد الدين محمد بن يعقوب الشيرازي من ذرية الشيخ أبي إسحاق الفيروزآبادي، من أئمة اللغويين، والخطيب الامام العلامة صدر الدين بن العز الحنفي أحد البلغاء الفضلاء، والشيخ الامام العلامة نور الدين علي بن الصارم أحد القراء المحدثين البلغاء، وأحضروا نيفا وأربعين مجلدا من كتاب المنتهى في اللغة للتميمي البرمكي، وقف الناصرية وحضر ولد الشيخ كمال الدين بن الشريشي، وهو العلامة بدر الدين محمد، واجتمعنا كلنا عليه، وأخذ كل منا مجلدا بيده من تلك المجلدات، ثم أخذنا نسأله عن بيوت الشعر المستشهد عليها بها، فينشر كلا منها ويتكلم عليه بكلام مبين مفيد، فجزم الحاضرون والسامعون أنه يحفظ جميع شواهد اللغة ولا يشذ عنه منها إلا القليل الشاذ، وهذا من أعجب العجائب، وأبلغ الاعراب.