وفي يوم الاثنين رابعه توفي الطواشي شبل الدولة كافور السكري، ودفن صبيحة يوم الثلاثاء خامسه في تربته التي أنشأها قديما ظاهر باب الجابية تجاه تربة الطواشي ظهير الدين الخازن بالقلعة، كان قبيل مسجد الدبان رحمه الله، وكان قديما للصاحب تقي الدين توبة التكريتي، ثم اشتراه تنكز بعد مدة طويلة من ابني أخيه صلاح الدين وشرف الدين بمبلغ جيد وعوضهما إقطاعا بزيادة على ما كان بأيديهما، وذلك رغبة في أمواله التي حصلها من أبواب السلطنة، وقد تعصب عليه أستاذه تنكز رحمه الله في وقت وصودر وجرت عليه فصول، ثم سلم بعد ذلك، ولما مات ترك أموالا جزيلة وأوقافا رحمه الله. وخرجت التجريدة يوم الأربعاء سادسه والمقدم عليها الأمير بدر الدين بن الخطير ومعه مقدم آخر وهو الأمير علاء الدين بن قراسنقر.
وفي يوم السبت سلخ هذا الشهر توفي الشاب الحسن شهاب الدين أحمد بن فرج المؤذن بمأذنة العروس، وكان شهيرا بحسن الصوت ذا حظوة عظيمة عند أهل البلد، وكان رحمه الله كما في النفس وزيادة في حسن الصوت الرخيم المطرب، وليس في القراء ولا في المؤذنين قريب منه ولا من يدانيه في وقته، وكان في آخر وقته على طريقة حسنة، وعمل صالح، وانقطاع عن الناس، وإقبال على شأن نفسه فرحمه الله، وأكرم مثواه، وصلي عليه بعد الظهر يومئذ ودفن عند أخيه بمقبرة الصوفية.
وفي يوم الخميس خامس ذي الحجة توفي الشيخ بدر الدين بن نصحان شيخ القراء السبع في البلد الشهير بذلك، وصلي عليه بالجامع بعد الظهر يومئذ، ودفن بباب الفراديس رحمه الله.
وفي يوم الأحد تاسعه وهو يوم عرفة حضر الأقراء بتربة أم الصالح عوضا عن الشيخ بدر الدين بن نصحان القاضي شهاب الدين أحمد بن النقيب البعلبكي، وحضر عنده جماعة من الفضلاء وبعض القضاة، وكان حضوره بغتة، وكان متمرضا، فألقى شيئا من القراءات والاعراب عند قوله تعالى (ولا يحسبن الذين كفروا إنما نملي لهم خير لأنفسهم) [آل عمران:
178] وفي أواخر هذا الشهر غلا السعر جدا وقل الخبز وازدحم الناس على الأفران زحمة عظيمة، وبيع خبز الشعير المخلوط بالزيوان والنقارة، وبلغت الغرارة بمائة ستة وثمانين درهما، وتقلص السعر جدا حتى بيع الخبز كل رطل بدرهم، وفوق ذلك بيسير، ودونه بحسب طيبه ورداءته، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وكثر السؤال وجاع العال، وضعف كثير من الأسباب والأحوال، ولكن لطف الله عظيم فإن الناس مترقبون مغلا هائلا لم يسمع بمثله من مدة سنين عديدة، وقد اقترب أوانه، وشرع كثير من البلاد في حصاد الشعير وبعض القمح مع كثرة الفول وبوادر التوت، فلولا ذلك لكان غير ذلك، ولكن لطف الله بعباده، وهو الحاكم المتصرف الفعال لما يريد لا إله إلا هو.