مسك منجك وصفة الظهور عليه وكان مختفيا بدمشق حوالي سنة لما كان يوم الخميس السابع والعشرين من المحرم جاء ناصح إلى نائب السلطنة الأمير سيف الدين استدمر فأخبره بأن منجك في دار الشرف الاعلى، فأرسل من فوره إلى ذلك المنزل الذي هو فيه بعض الحجبة ومن عنده من خواصه، فاحضر إلى بين يديه محتفظا عليه جدا، بحيث إن بعضهم رزفه من ورائه واحتضنه، فلما واجهه نائب السلطنة أكرمه وتلقاه وأجلسه معه على مقعدته، وتلطف به وسقاه وأضافه، وقد قيل إنه كان صائما فأفطر عنده، وأعطاه من ملابسه وقيده وأرسله إلى السلطان في ليلته - ليلة الجمعة - مع جماعة من الجند وبعض الأمراء، منهم حسام الدين أمير حاجب، وقد كان أرسل نائب السلطنة ولده بسيف منجك من أوائل النهار، وتعجب الناس من هذه القضية جدا، وما كان يظن كثير من الناس إلا أنه قد عدم باعتبار أنه في بعض البلاد النائية، ولم يشعر الناس أنه في وسط دمشق وأنه يمشي بينهم متنكرا، وقد ذكر أنه كان يحضر الجمعات بجامع دمشق ويمشي بين الناس متنكرا في لبسه وهيئته، ومع هذا لن يغني حذر من قدر، ولكل أجل الكتاب، وأرسل ملك الأمراء بالسيف وبملابسه التي كان يتنكر بها، وبعث هو مع جماعة من الأمراء الحجبة وغيرهم وجيش كثيف إلى الديار المصرية مقيدا محتفظا عليه، ورجع ابن ملك الأمراء بالتحف والهدايا والخلع والانعام لوالده، ولحاجب الحجاب، ولبس ذلك الأمراء يوم الجمعة واحتفل الناس بالشموع وغيرها، ثم تواترت الاخبار بدخول منجك إلى السلطان وعفوه عنه وخلعته الكاملة عليه وإطلاقه له الحسام والخيول المسومة والألبسة المفتخرة، والأموال والأمان، وتقديم الأمراء والأكابر له من سائر صنوف التحف (1)، وقدوم الأمير علي من صفد قاصدا إلى حماة لنيابتها، فنزل القصر الأبلق ليلة الخميس رابع صفر وتوجه ليلة الأحد سابعه.
وفي يوم الخميس الثامن عشر من صفر قدم القاضي بهاء الدين أبو البقاء من طرابلس بمرسوم شريف أن يعود إلى دمشق على وظائفه المبقاة عليه، وقد كان ولده ولي الدين ينوب عنه فيها، فتلقاه كثير من الناس إلى أثناء الطريق، وبرز إليه قاضي القضاة تاج الدين إلى حرستا، وراح الناس إلى تهنئته إلى داره، وفرحوا برجوعه إلى وطنه. ووقع مطر عظيم في أول هذا الشهر، وهو أثناء شهر شباط، وثلج عظيم، فرويت البساتين التي كانت لها عن الماء عدة شهور، ولا يحصل لاحد من الناس سقي إلا بكلفة عظيمة ومشقة، ومبلغ كثير، حتى كاد الناس يقتتلون عليه بالأيدي والدبابيس وغير ذلك من البذل الكثير، وذلك في شهور كانون الأول والثاني، وأول شباط، وذلك لقلة مياه الأنهار وضعفها، وكذلك بلاد حوران أكثرهم يروون من أماكن بعيدة في هذه الشهور، ثم من الله تعالى فجرت الأودية وكثرت الأمطار والثلوج، وغزرت الأنهار ولله الحمد والمنة. وتوالت الأمطار، فكأنه حصل السيل في هذه السنة من كانون إلى شباط فكان شباط