من الأعيان إلى الصمين وما فوقها، فلما وصل إلى الكسوة كثر الناس جدا وقاربها قاضي القضاة الحنفية الشيخ جمال الدين بن السراج، فلما أشرف من عقبة شحورا تلقاه خلائق لا يحصون كثرة وأشعلت الشموع حتى مع النساء، والناس في سرور عظيم، فلما كان قريبا من الجسورة تلقته الخلائق الخليفيين مع الجوامع، والمؤذنون يكبرون، والناس في سرور عظيم، ولما قارب باب النصر وقع مطر عظيم والناس معه لا تسعهم الطرقات، يدعون له ويفرحون بقدومه، فدخل دار السعادة وسلم على نائب السلطنة، ثم دخل الجامع بعد العصر ومعه شموع كثيرة، والرؤساء أكثر من العامة. ولما كان يوم الجمعة ثاني شهر جمادى الآخرة ركب قاضي القضاة السبكي إلى دار السعادة وقد استدعى نائب السلطنة بالقاضيين المالكي والحنبلي، فأصلح بينهم، وخرج من عنده ثلاثتهم يتماشون إلى الجامع، فدخلوا دار الخطابة فاجتمعوا هناك، وضيفهما الشافعي، ثم حضرا خطبته الحافلة البليغة الفصيحة، ثم خرجوا ثلاثتهم من جوا إلى دار المالكي، فاجتمعوا هنالك وضيفهم المالكي هنالك ما تيسر. والله الموفق للصواب.
وفي أوائل هذا الشهر وردت المراسيم الشريفة السلطانية من الديار المصرية بأن يجعل للأمير من إقطاعه النصف خاصا له، وفي النصف الآخر يكون لأجناده، فحصل بهذا رفق عظيم بالجند، وعدل كثير ولله الحمد، وأن يتجهز الأجناد ويحرصوا على السبق والرمي بالنشاب، وأن يكونوا مستعدين متى استنفروا نفروا، فاستعدوا لذلك وتأهبوا لقتال الفرنج، كما قال الله تعالى:
(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) الآية [الأنفال:
60]. وثبت في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال على المنبر " ألا إن القوة الرمي " (1). وفي الحديث الآخر " ارموا واركبوا وأن ترموا أحب إلي " (2).
وفي يوم الاثنين بعد الظهر عقد مجلس بدار السعادة للكشف على قاضي القضاة جمال الدين المرداوي الحنبلي بمقتضى مرسوم شريف ورد من الديار المصرية بذلك، وذلك بسبب ما يعتمده كثير من شهود مجلسه من بيع أوقاف لم يستوف فيها شرائط المذهب، وإثبات إعسارات أيضا كذلك وغير ذلك انتهى.
الوقعة بين الأمراء بالديار المصرية وفي العشر الأخير من جمادى الآخرة ورد الخبر بأن الأمير الكبير يلبغا الخاصكي خرج عليه