الأمير سيف الدين إباجي يطلب منه حواصل أرغون التي عنده (1)، فامتنع عليه أيضا، وقد حصن القلعة وسترها وأرصد فيها الرجال والرماة والعدد، وهيأنها بعض المجانيق ليبعد بها فوق الأبرجة، وأمر أهل البلد أن لا يفتحوا الدكاكين ويغلقوا الأسواق، وجعل يغلق أبواب البلد إلا بابا أو بابين منها، واشتد حنق العسكر عليه، وهموا بأشياء كثيرة من الشر، ثم يرعوون عن الناس والله المسلم، غير أن إقبال العسكر وأطرافه قد عاثوا فيما جاوروه من القرايا والبساتين والكروم والزروع فيأخذون ما يأكلون وتأكل دوابهم، وأكثر من ذلك فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ونهبت قرايا كثيرة وفجروا نساء وبنات، وعظم الخطب، وأما التجار ومن يذكر بكثرة مال فأكثرهم مختف لا يظهر لما يخشى من المصادرة، نسأل الله أن يحسن عاقبتهم.
واستهل شهر شعبان وأهل البلد في خوف شديد، وأهل القرايا والحواضر في نقلة أثاثهم وبقارهم ودوابهم وأبنائهم ونسائهم، وأكثر أبواب البلد مغلقة سوى بابي الفراديس والجابية، وفي كل يوم نسمع بأمور كثيرة من النهب للقرايا والحواضر، حتى انتقل كثير من أهل الصالحية أو أكثرهم، وكذلك من أهل العقيبة وسائر حواضر البلد، فنزلوا عند معارفهم وأصحابهم، ومنهم من نزل على قارعة الطريق بنسائهم وأولادهم، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. وقال كثير من المشايخ الذي أدركوا زمن قازان: إن هذا الوقت كان أصعب من ذلك لما ترك الناس من ورائهم من الغلات والثمار التي هي عمدة قوتهم في سنتهم، وأما أهل البلد ففي قلق شديد أيضا لما يبلغهم عنهم من الفجور بالنساء، ويجعلون يدعون عقيب الصلوات عليهم يصرحون بأسمائهم ويعنون بأسماء أمرائهم وأتباعهم ونائب القلعة الأمير سيف الدين إباجي في كل وقت يسكن جأش الناس ويقوي عزمهم ويبشرهم بخروج العساكر المنصورة من الديار المصرية صحبة السلطان إلى بلاد غزة حيث الجيش الدمشقي، ليجيئوا كلهم في خدمته وبين يديه، وتدق البشائر فيفرح الناس ثم تسكن الاخبار وتبطل الروايات فتقلق ويخرجون في كل يوم وساعة في تجمل عظيم ووعد وهيئات حسنة، ثم جاء السلطان أيده الله تعالى وقد ترجل الأمراء بين يديه من حين بسط له عند مسجد الدبان إلى داخل القلعة المنصورة (2)، وهو لابس قباء أحمر له قيمته على فرس أصيلة مؤدبة معلمة المشي على القوس لا تحيد عنه، وهو حسن الصورة مقبول الطلعة، عليه بهاء المملكة والرياسة، والخز فوق رأسه يحمله بعض الأمراء الأكابر، وكلما عاينه من عاينه من الناس يبتهلون بالدعاء بأصوات عالية، والنساء بالزغرطة، وفرح الناس فرحا شديدا، وكان يوما مشهودا، وأمرا