كثيرة، وديانة وعبادة، وكان من أصحاب الشيخ تقي الدين بن تيمية، وكان قد وقع بينه وبين القاضي الشافعي مشاجرات بسبب أمور، ثم اصطلحا فيما بعد ذلك.
وفي يوم الاثنين ثاني عشره بعد أذان الظهر حصل بدمشق وما حولها ريح شديدة أثارت غبارا شديدا اصفر الجو منه ثم اسود حتى أظلمت الدنيا، وبقي الناس في ذلك نحوا من ربع ساعة يستجيرون الله ويستغفرون ويبكون، مع ما هم فيه من شدة الموت الذريع، ورجا الناس أن هذا الحال يكون ختام ما هم فيه من الطاعون، فلم يزدد الامر إلا شدة، وبالله المستعان. وبلغ المصلى عليهم في الجامع الأموي إلى نحو المائة وخمسين، وأكثر من ذلك، خارجا عمن لا يؤتى بهم إليه من أرجاء البلد وممن يموت من أهل الذمة، وأما حواضر البلد وما حولها فأمر كثير، يقال إنه بلغ ألفا في كثير من الأيتام، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وصلي بعد الظهر من هذا اليوم بالجامع المظفري على الشيخ إبراهيم بن المحب، الذي كان يحدث في الجامع الأموي وجامع تنكز، وكان مجلسه كثير الجمع لصلاحه وحسن ما كان يؤديه من المواعيد النافعة، ودفن بسفح قاسيون، وكانت جنازته حافلة رحمه الله. وعملت المواعيد بالجامع الأموي ليلة سبع وعشرين من رجب، يقولون ليلة المعراج، ولم يجتمع الناس فيه على العادة لكثرة من مات منهم، ولشغل كثير من الناس بمرضاهم وموتاهم. واتفق في هذه الليلة أنه تأخر جماعة من الناس في الخيم ظاهر البلد فجاؤوا ليدخلوا من باب النصر على عادتهم في ذلك، فكأنه اجتمع خلق منهم بين البابين فهلك كثير منهم كنحو ما يهلك الناس في هذا الحين على الجنائز، فانزعج نائب السلطنة فخرج فوجدهم فأمر بجمعهم، فلما أصبح الناس أمر بتسميرهم ثم عفا عنهم وضرب متولي البلد ضربا شديدا، وسمر نائبه في الليل، وسمر البواب بباب النصر، وأمر أن لا يمشي أحد بعد عشاء الآخرة، ثم تسمح لهم في ذلك.
واستهل شهر شعبان والفناء في الناس كثير جدا، وربما أنتنت البلد، فإنا لله وإنا إليه راجعون. وتوفي الشيخ شمس الدين بن الصلاح مدرس القيمرية الكبيرة بالمطرزيين، يوم الخميس ثالث عشر شعبان وفي يوم الجمعة رابع عشر شعبان صلي بعد الصلاة على جماعة كثيرة، منهم القاضي عماد الدين بن الشيرازي، محتسب البلد، وكان من أكابر رؤوساء دمشق، وولي نظر الجامع مدة، وفي بعض الأوقاف نظر الأوقاف، وجمع له في وقت بينهما ودفن بسفح قاسيون.
وفي العشر الأخير من شهر شوال توفي الأمير قرابغا دويدار النائب، بداره غربي حكر السماق، وقد أنشأ له إلى جانبها تربة ومسجدا، وهو الذي أنشأ السويقة المجددة عند داره، وعمل لها بابين شرقيا وغربيا، وضمنت بقيمة كثيرة بسبب جاهه، ثم بارت وهجرت لقلة الحاجة إليها، وحضر الأمراء والقضاة والأكابر جنازته، ودفن بتربته هناك، وترك أموالا جزيلة وحواصل كثيرة جدا، أخذه مخدومه نائب السلطنة.