الأمير بيدمر بأهله وأثاثه إلى داره بالمطرزين، فلما أصبح يوم الاثنين التاسع والعشرين منه خرج الأمراء الثلاثة من القلعة ومعهم جبريل، فدخل القضاة وسلموا القلعة بما فيها من الحواصل إلى الأمير استبغا بن الابو بكري انتهى.
دخول السلطان محمد بن الملك أمير حاج بن الملك محمد بن الملك قلاوون إلى دمشق في جيشه وأمرائه لما كان صبيحة يوم الاثنين التاسع والعشرين من رمضان من هذه السنة رجع القضاة إلى الوطاق الشريف، وفي صحبتهم الأمراء الذين كانوا بالقلعة، وقد أعطوا الأمان من جهة السلطان ومن معهم وذويهم، فدخل القضاة وحجب الأمراء المذكورون، فخلع على القضاة الأربعة وانصرفوا راجعين مجبورين، وأما الأمراء المذكورون فإنهم أركبوا على خيل ضعيفة، وخلف كل واحد منهم وساقي أخذ بوسطه قبل، وفي يد كل واحد من الوساقية خنجر كبير مسلول لئلا يستنقذه منه أحد فيقتله بها، فدخل جهرة بين الناس ليروهم ذلتهم التي قد لبستهم، وقد أحدق الناس بالطريق من كل جانب، فقام كثير من الناس، الله أعلم بعدتهم، إلا أنهم قد يقاربون المائة ألف أو يزيدون عليها، فرأى الناس منظرا فظيعا، فدخل بهم الوساقية إلى الميدان الأخضر الذي فيه القصر، فأجلسوا هنالك وهم ستة نفر: الثلاثة النواب وجبريل وابن استدمر، وسادس، وظن كل منهم أن يفعل بهم فاقرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وأرسلت الجيوش داخلة إلى دمشق أطلابا في تجمل عظيم، ولبس الحرب بنهر النصر وخيول وأسلحة ورماح، ثم دخل السلطان في آخر ذلك كله بعد العصر بزمن، وعليه من أنواع الملابس قباز بخاري، والقبة والطبر (1) يحملها على رأسه الأمير سيف الدين تومان تمر، الذي كان نائب طرابلس، والأمراء مشاة بين يديه، والبسط تحت قدمي فرسه، والبشائر تضرب خلفه فدخل القلعة المنصورة المنصورية لا البدرية. ورأى ما قد أرصد بها من المجانيق والأسلحة، فاشتد حنقه على بيدمر وأصحابه كثيرا، ونزل الطارمة، وجلس على سرير المملكة ووقف الأمراء والنواب بين يديه، ورجع الحق إلى نصابه، وقد كان بين دخوله ودخول عمه الصالح صالح في أول يوم من رمضان، وهذا في التاسع والعشرين منه، وقد قيل إنه سلخه والله أعلم. وشرع الناس في الزينة.
وفي صبيحة يوم الثلاثاء سلخ الشهر نقل الأمراء المغضوب عليهم الذين ضل سعيهم فيما كانوا أبرموه من ضمير سوء للمسلمين إلى القلعة فأنزلوا في أبراجها مهانين مفرقا بينهم، بعد ما كانوا بها آمنين حاكمين، أصبحوا معتقلين مهانين خائفين، فجاروا بعد ما كانوا رؤساء،