وفاته في هذا اليوم فصلي عليه بالجامع الأموي تجاه النسر بعد العصر، ثم حمل إلى تربة له أعدها في بستانه بحوش، وله من العمر قريب الخمسين.
وفي أوائل هذا الشهر ورد المرسوم الشريف السلطاني بالرد على نساء النصارى ما كان أخذ منهن مع الجباية التي كان تقدم أخذها منهن، وإن كان الجميع ظلما، ولكن الاخذ من النساء أفحشن وأبلغ في الظلم، والله أعلم. وفي يوم الاثنين الخامس عشر منه أمر نائب السلطنة أعزه الله بكبس بساتين أهل الذمة فوجد فيها من الخمر المعتصر من الخوابي والحباب فأريقت عن آخرها ولله الحمد والمنة، بحيث جرت في الأزقة والطرقات، وفاض نهر توزا من ذلك، وأمر مصادرة أهل الذمة الذين وجد عندهم ذلك بمال جزيل، وهم تحت الجباية، وبعد أيام نودي في البلد بأن نساء أهل الذمة لا تدخل الحمامات مع المسلمات، بل تدخل حمامات تختص بهن، ومن دخل من أهل الذمة الرجال مع الرجال المسلمين يكون في رقاب الكفار علامات يعرفون بها من أجراس وخواتيم ونحو ذلك، وأمر نساء أهل الذمة بأن تلبس المرأة خفيها مخالفين في اللون، بأن يكون أحدهما أبيض والآخر أصفر أو نحو ذلك.
ولما كان يوم الجمعة التاسع عشر من الشهر - أعني ربيع الآخر - طلب القضاة الثلاثة وجماعة من المفتيين: فمن ناحية الشافعي نائباه، وهما القاضي شمس الدين الغزي والقاضي بدر الدين ابن وهبة، والشيخ جمال الدين ابن قاضي الزبداني، والمصنف الشيخ عماد الدين بن كثير والشيخ بدر الدين حسن الزرعي، والشيخ تقي الدين الفارقي. ومن الجانب الآخر قاضيا القضاة جمال الدين المالكي والحنبلي، والشيخ شرف الدين ابن قاضي الجبل الحنبلي، والشيخ جمال الدين بن الشريشي، والشيخ عز الدين بن حمزة ابن شيخ السلامية الحنبلي، وعماد الدين الحنائي، فاجتمعت مع نائب السلطنة بالقاعة التي في صدر إيوان دار السعادة، وجلس نائب السلطنة في صدر المكان، وجلسنا حوله، فكان أول ما قال: كنا نحن الترك وغيرنا إذا اختلفنا واختصمنا نجئ بالعلماء فيصلحون بيننا، فصرنا نحن إذا اختلفت العلماء واختصموا فمن يصلح بينهم؟
وشرع في تأنيب من شنع على الشافعي بما تقدم ذكره من تلك الأقوال والأفاعيل التي كتبت في تلك الأوراق وغيرها، وأن هذا يشفي الأعداء بنا، وأشار بالصلح بين القضاة بعضهم من بعض فصمم بعضهم وامتنع، وجرت مناقشات من بعض الحاضرين فيما بينهم، ثم حصل بحث في مسائل ثم قال نائب السلطنة أخيرا: أما سمعتم قول الله تعالى (عفا الله عما سلف) [المائدة:
95] فلانت القلوب عند ذلك وأمر كاتب السر أن يكتب مضمون ذلك في مطالعة إلى الديار المصرية، ثم خرجنا على ذلك انتهى والله أعلم.
عودة قاضي القضاة السبكي إلى دمشق في يوم الأربعاء التاسع والعشرين من جمادى الأولى قدم من ناحية الكسوة وقد تلقاه جماعة