مكر الله إلا القوم الخاسرون) [الأعراف: 99] ثم لما كان ليلة الجمعة الرابع والعشرين من ربيع الأول (1) أصبح مذبوحا فأثبت محضر بأنه ذبح نفسه فالله تعالى أعلم.
كائنة عجيبة غريبة جدا ثم لما كان يوم الثلاثاء الثامن والعشرين من ربيع الأول سنة خمسين وسبعمائة وقع اختلاف بين جيش دمشق وبين الأمير سيف الدين ألجي بغا، نائب طرابلس، الذي جاء فأمسك نائب دمشق الأمير سيف الدين أرغون شاه الناصري، ليلة الخميس وقتله ليلة الجمعة كما تقدم، وأقام بالميدان الأخضر يستخلص أمواله وحواصله، ويجمعها عنده، فأنكر عليه الأمراء الكبار، وأمروه أن يحمل الأموال إلى قلعة السلطان فلم يقبل منهم، فاتهموه في أمره، وشكوا في الكتاب على يده من الامر بمسكه وقتله، وركبوا ملبسين تحت القلعة وأبواب الميادين، وركب هو في أصحابه وهم في دون المائة، وقائل يقول هم ما بين السبعين إلى الثمانين والتسعين، جعلوا يحملون على الجيش حمل المستقتلين، إنما يدافعهم مدافعة المتبرئين، وليس معهم مرسوم بقتلهم ولا قتالهم، فلهذا ولى أكثرهم منهزمين، فخرج جماعة من الجيش حتى بعض الأمراء المقدمين، وهو الأمير الكبير سيف الدين ألجي بغا العادلي، فقطعت يده اليمنى، وقد قارب التسعين، وقتل آخرون من أجناد الحلقة والمستخدمين، ثم انفصل الحال على أن أخذ ألجي بغا المظفري من خيول أرغون شاه المرتبطة في إسطبله ما أراد، ثم انصرف من ناحية المزة صاغرا على عقبيه، ومعه الأموال التي جمعها من حواصل أرغون شاه، واستمر ذاهبا، ولم يتبعه أحد من الجيش، وصحبته الأمير فخر الدين إياس، الذي كان حاجبا، وناب في حلب في العام الماضي، فذهبا بمن معهما إلى طرابلس، وكتب أمراء الشام إلى السلطان يعلمونه بما وقع، فجاء البريد بأنه ليس عند السلطان علم بما وقع بالكلية، وأن الكتاب الذي جاء على يديه مفتعل، وجاء الامر لأربعة آلاف من الجيش الشامي أن يسيروا وراءه ليمسكوه ثم أضيف نائب صفد مقدما على الجميع، فخرجوا في العشر الأول من ربيع الآخر. وفي يوم الأربعاء سادس ربيع الآخر خرجت العساكر في طلب سيف الدين ألجي بغا العادلي في المعركة وهو أحد أمراء الألوف المقدمين، ولما كانت ليلة الخميس سابعه نودي بالبلد على من يقربها من الأجناد أن لا يتأخر أحد عن الخروج بالغد، فأصبحوا في سرعة عظيمة واستنيب في البلد نيابة عن النائب الراتب الأمير بدر الدين الخطير، فحكم بدار السعادة على عادة النواب.
وفي ليلة السبت بين العشاءين سادس عشره دخل الجيش الذين خرجوا في طلب ألجي بغا المظفري، وهو معهم أسير ذليل حقير، وكذلك الفخر إياس الحاجب مأسور معهم، فأودعا في القلعة مهانين من جسر باب النصر الذي تجاه دار السعادة، وذلك بحضور الأمير بدر الدين الخطير