وفي صبيحة يوم السبت رابع رجب ضرب نائب السلطنة جماعة من أهل قبر عاتكة أساؤوا الأدب على النائب ومماليكه، بسبب جامع للخطبة جدد بناحيتهم، فأراد بعض الفقراء أن يأخذ ذلك الجامع ويجعله زاوية للرقاصين، فحكم القاضي الحنبلي بجعله جامعا قد نصب فيه منبر، وقد قدم شيخ الفقراء على يديه مرسوم شريف بتسليمه إليه، فأنفت أنفس أهل تلك الناحية من عوده زاوية بعد ما كان جامعا، وأعظموا ذلك، فتكلم بعضهم بكلام سئ، فاستحضر نائب السلطنة طائفة منهم وضربهم بالمقارع بين يديه، ونودي عليهم في البلد، فأراد بعض العامة إنكارا لذلك، وحدد ميعاد حديث يقرأ بعد المغرب تحت قبة النسر على الكرسي الذي يقرأ عليه المصحف، رتبه أحد أولاد القاضي عماد الدين بن الشيرازي، وحدث فيه الشيخ عماد الدين بن السراج، واجتمع عنده خلق كثير وجم غفير، وقرأ في السيرة النبوية من خطي، وذلك في العشر الأول من هذا الشهر.
أعجوبة من العجائب وحضر شاب عجمي من بلاد التبريز وخراسان يزعم أنه يحفظ البخاري ومسلما وجامع المسانيد والكشاف للزمخشري وغير ذلك من محاضيرها، في فنون أخر، فلما كان يوم الأربعاء سلخ شهر رجب قرأ في الجامع الأموي بالحائط الشمالي منه، عند باب الكلاسة من أول صحيح البخاري إلى أثناء كتاب العلم منه، من حفظه وأنا أقابل عليه من نسخة بيدي، فأدى جيدا، غير أنه يصحف بعضا من الكلمات لعجم فيه، وربما لحن أيضا في بعض الأحيان، واجتمع خلق كثير من العامة والخاصة وجماعة من المحدثين، فأعجب ذلك جماعة كثيرين، وقال آخرون منهم إن سرد بقية الكتاب على هذا المنوال لعظيم جدا، فاجتمعنا في اليوم الثاني وهو مستهل شعبان في المكان المذكور، وحضر قاضي القضاة الشافعي وجماعة من الفضلاء، واجتمع العامة محدقين فقرأ على العادة غير أنه لم يطول كأول يوم، وسقط عليه بعض الأحاديث، وصحف ولحن في بعض الألفاظ، ثم جاء القاضيان الحنفي والمالكي فقرأ بحضرتهما أيضا بعض الشئ، هذا والعامة محتفون به متعجبون من أمره، ومنهم من يتقرب بتقبيل يديه، وفرح بكتابتي له بالسماع على الإجازة، وقال: أنا ما خرجت من بلادي إلا إلى القصد إليك، وأن تجيزني، وذكرك في بلادنا مشهور، ثم رجع إلى مصر ليلة الجمعة وقد كارمه القضاة والأعيان بشئ من الدراهم يقارب الألف.
عزل الأمير علي عن نيابة دمشق في يوم الأحد حادي عشر شعبان ورد البريد من الديار المصرية وعلى يديه مرسوم شريف