نسبه السماكي نسبة إلى أبي دجانة سماك بن خرشة والله أعلم. ولد ليلة الاثنين ثامن شوال سنة ست (1) وستين وستمائة، وسمع الكثير واشتغل على الشيخ تاج الدين الفزاري، وفي الأصول على القاضي بهاء الدين بن الزكي، وفي النحو على بدر الدين بن ملك وغيرهم، وبرع وحصل وساد أقرانه من أهل مذهبه، وحاز قصب السبق عليهم بذهنه الوقاد في تحصيل العلم الذي أسهره ومنعه الرقاد وعبارته التي هي أشهى من كل شئ معتاد، وخطه الذي هو أنضر من أزاهير الوهاد، وقد درس بعدة مدارس بدمشق، وباشر عدة جهات كبار، كنظر الخزانة ونظر المارستان النوري وديوان الملك السعيد، ووكالة بيت المال. وله تعاليق مفيدة واختيارات حميدة سديدة، ومناظرات سعيدة. ومما علقه قطعة كبيرة من شرح المنهاج للنووي، ومجلد في الرد على الشيخ تقي الدين بن تيمية في مسألة الطلاق وغير ذلك، وأما دروسه في المحافل فلم أسمع أحدا من الناس درس أحسن منها ولا أحلى من عبارته، وحسن تقريره، وجودة احترازاته، وصحة ذهنه وقوة قريحته وحسن نظمه، وقد درس بالشامية البرانية والعذراوية الجوانية والرواحية والمسرورية، فكان يعطي كل واحدة منهن حقها بحيث كان يكاد ينسخ بكل واحد من تلك الدروس ما قبله من حسنه وفصاحته، ولا يهيله تعداد الدروس وكثرة الفقهاء والفضلاء، بل كلما كان الجمع أكثر والفضلاء أكبر كان الدرس أنضر وأبهر وأحلى وأنصح وأفصح. ثم لما انتقل إلى قضاء حلب وما معه من المدارس العديدة عامله معاملة مثلها، وأوسع بالفضيلة جميع أهلها، وسمعوا من العلوم ما لم يسمعوا هم ولا آباؤهم. ثم طلب إلى الديار المصرية ليولي الشامية دار السنة النبوية فعاجلته المنية قبل وصوله إليها، فمرض وهو سائر على البريد تسعة أيام، ثم عقب المرض بحراق الحمام فقبضه هاذم اللذات، وحال بينه وبين سائر الشهوات والإرادات، والأعمال بالنيات. ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه، وكان من نيته الخبيثة إذا رجع إلى الشام متوليا أن يؤذي شيخ الاسلام ابن تيمية فدعا عليه فلم يبلغ أمله ومراده، فتوفي في سحر يوم الأربعاء سادس عشر شهر رمضان بمدينة بلبيس، وحمل إلى القاهرة ودفن بالقرافة ليلة الخميس جوار قبة الشافعي تغمدها الله برحمته.
الحاج علي المؤذن المشهور بالجامع الأموي الحاج علي بن فرج بن أبي الفضل الكتاني، كان أبوه من خيار المؤذنين، فيه صلاح ودين وله قبول عند الناس، وكان حسن الصوت جهوره، وفيه تودد وخدم وكرم، وحج غير مرة وسمع من أبي عمر وغيره، توفي ليلة الأربعاء ثالث ذي القعدة وصلي عليه غدوة، ودفن بباب الصغير.
وفي ذي القعدة توفي: