ثم دخلت سنة ست وسبعمائة استهلت والحكام هم المذكورون في التي قبلها والشيخ تقي الدين بن تيمية مسجون بالجب من قلعة الجبل، وفي يوم الأربعاء جاء البريد بتولية الخطابة للشيخ شمس الدين (1) إمام الكلاسة وذلك في ربيع الأول، وهنئ بذلك فأظهر التكره لذلك والضعف عنه، ولم يحصل له مباشرة لغيبة نائب السلطنة في الصيد، فلما حضر أذن له فباشر يوم الجمعة العشرين من الشهر، فأول صلاة صلاها الصبح يوم الجمعة، ثم خلع عليه وخطب بها يومئذ، وفي يوم الأربعاء ثامن عشر ربيع الأول باشر نيابة الحكم عن القاضي نجم الدين أحمد بن عبد المحسن بن حسن المعروف بالدمشقي عوضا عن تاج الدين بن صالح بن تأمر بن خان الجعبري، وكان معمرا قديم الهجرة كثير الفضائل، دينا ورعا، جيد المعاشرة، وكان وقد ولي الحكم في سنة سبع وخمسين وستمائة، فلما ولي ابن صصرى كره نيابته. وفي يوم الأحد العشرين من ربيع الآخر قدم البريد من القاهرة ومعه تجديد توقيع للقاضي شمس الدين الأزرعي الحنفي، فظن الناس أنه بولاية القضاء لابن الحريري فذهبوا ليهنئوه مع البريد إلى الظاهرية، واجتمع الناس لقراءة التقليد على العادة فشرع الشيخ علم الدين البرزالي في قراءته فلما وصل إلى الاسم تبين له أنه ليس له وأنه للأزرعي، فبطل القارئ وقام الناس مع البريدي إلى الأزرعي، وحصلت كسرة وخمدة على الحريري والحاضرين، ووصل مع البريدي أيضا كتاب فيه طلب الشيخ كمال الدين بن الزملكاني إلى القاهرة، فتوهم من ذلك وخاف أصحابه عليه بسبب انتسابه إلى الشيخ تقي الدين بن تيمية، فتلطف به نائب السلطنة، وداري عنه حتى أعفي من الحضور إلى مصر، ولله الحمد.
وفي يوم الخميس تاسع جمادى الأولى دخل الشيخ ابن براق إلى دمشق وبصحبته مائة فقير كلهم محلقي ذقونهم موفري شواربهم عكس ما وردت به السنة، وعلى رؤوسهم قرون لبابيد.
ومعهم أجراس وكعاب وجواكين خشب، فنزلوا بالمنيبع وحضروا الجمعة برواق الحنابلة، ثم توجهوا نحو القدس فزاروا، ثم استأذنوا في الدخول إلى الديار المصرية فلم يؤذن لهم، فعادوا إلى دمشق فصاموا بها رمضان ثم انشمروا راجعين إلى بلاد الشرق، إذ لم يجدوا بدمشق قبولا، وقد كان شيخهم براق روميا من بعض قرى دوقات من أبناء الأربعين، وقد كانت له منزلة عند قازان ومكانة، وذلك أنه سلط عليه نمرا فزجره فهرب منه وتركه، فحظي عنده وأعطاه في يوم واحد ثلاثين ألفا ففرقها كلها فأحبه، ومن طريقة أصحابه أنهم لا يقطعون لهم صلاة، ومن ترك صلاة ضربوه أربعين جلدة، وكان يزعم أن طريقه الذي سلكه إنما سلكه ليخرب على نفسه، ويرى أنه زي المسخرة، وأن هذا هو الذي يليق بالدنيا، والمقصود إنما هو الباطن والقلب وعمارة ذلك، ونحن إنما نحكم بالظاهر، والله أعلم بالسرائر.