ومنظرا عجيبا قال الله تعالى وهو أصدق القائلين: (إذ قال الله يا عيسى بن مريم أذكر نعمتي عليك وعلى والدتك إذ أيدتك بروح القدس تكلم الناس في المهد وكهلا وإذ علمتك الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الأكمه والأبرص بإذني وإذ تخرج الموتى بإذني وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون) [المائدة: 110 - 111] يذكره تعالى بنعمته عليه وإحسانه إليه في خلقه إياه من غير أب بل من أم بلا ذكر وجعله له آية للناس ودلالة على كمال قدرته تعالى ثم إرساله بعد هذا كله (وعلى والدتك) في اصطفائها واختيارها لهذه النعمة العظيمة وإقامة البرهان على براءتها مما نسبها إليه الجاهلون ولهذا قال: (إذ أيدتك بروح القدس) وهو جبريل بالقاء روحه إلى أمه وقرنه معه في حال رسالته ومدافعته عنه لمن كفر به (تكلم الناس في المهد وكهلا) أي تدعو الناس إلى الله في حال صغرك في مهدك وفي كهولتك (وإذ علمتك الكتاب والحكمة) أي الخط والفهم نص عليه بعض السلف (1) (والتوراة والإنجيل) وقوله: (وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير بإذني) أي تصوره وتشكله من الطين على هيئته عن أمر الله له بذلك (فتنفخ فيه فتكون طيرا بإذني) أي بأمري يؤكد تعالى بذكر الاذن له في ذلك لرفع التوهم وقوله:
(وتبرئ الأكمه) قال بعض السلف وهو الذي يولد أعمى ولا سبيل لاحد من الحكماء إلى مداواته (والأبرص) هو الذي لا طب فيه بل قد مرض بالبرص وصار داؤه عضالا (وإذ تخرج الموتى) أي من قبورهم أحياء بإذني وقد تقدم ما فيه دلالة على وقوع ذلك مرارا متعددة مما فيه كفاية. وقوله: (وإذ كففت بني إسرائيل عنك إذ جئتهم بالبينات فقال الذين كفروا منهم إن هذا إلا سحر مبين) وذلك حين أرادوا صلبه فرفعه الله إليه وأنقذه من بين أظهرهم صيانة لجنابه الكريم عن الأذى، وسلامة له من الردى وقوله: (وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون) قيل المراد بهذا الوحي وحي إلهام أي أرشدهم الله إليه ودلهم عليه كما قال: (وأوحى ربك إلى النحل) [النحل: 68] (وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) [القصص: 7] وقيل المراد