الحسن الرخيم الذي كنت تمجدني في الدنيا فيقول: وكيف وقد سلبته؟ فيقول إني أرده عليك اليوم، قال: فيرفع داود بصوت يستفرغ نعيم أهل الجنان.
[قال تعالى]: (يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) [ص: 26] هذا خطاب من الله تعالى مع داود والمراد ولاة الأمور وحكام الناس وأمرهم بالعدل واتباع الحق المنزل من الله لا ما سواه من الآراء والأهواء وتوعد من سلك غير ذلك وحكم بغير ذلك، وقد كان داود عليه السلام هو المقتدى به في ذلك الوقت في العدل، وكثرة العبادة، وأنواع القربات، حتى إنه كان لا يمضي ساعة من آناء الليل، وأطراف النهار إلا وأهل بيته في عبادة ليلا ونهارا كما قال تعالى: (اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) [سبأ: 13] قال أبو بكر بن أبي الدنيا: حدثنا إسماعيل بن إبراهيم بن بسام، حدثنا صالح المزي (1)، عن أبي عمران الجوني، عن أبي الجلد قال: قرأت في مسألة داود عليه السلام أنه قال: يا رب كيف لي أن أشكرك وأنا لا أصل إلى شكرك إلا بنعمتك؟ قال فأتاه الوحي " أن يا داود ألست تعلم أن الذي بك من النعم مني قال بلى يا رب قال فأنى أرضى بذلك منك ". وقال البيهقي: أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، أنبأنا أبو بكر بن بالويه، حدثنا محمد بن يونس القرشي، حدثنا روح بن عبادة، حدثني عبد الله بن لاحق عن ابن شهاب قال: قال داود: " الحمد لله كما ينبغي لكرم وجهه، وعز جلاله، فأوحى الله إليه: أنك أتعبت الحفظة يا داود " ورواه أبو بكر بن أبي الدنيا عن علي بن الجعد عن الثوري مثله. وقال عبد الله بن المبارك في كتاب الزهد: أنبأنا سفيان الثوري، عن رجل، عن وهب بن منبه قال: إن في حكمة آل داود حق على العاقل أن لا يغفل عن أربع ساعات ساعة يناجي فيها ربه، وساعة يحاسب فيها نفسه، وساعة يفضي فيها إلى إخوانه الذين يخبرونه بعيوبه ويصدقونه عن نفسه، وساعة يخلى بين نفسه وبين لذاتها فيما يحل ويجمل فإن هذه الساعة عون على هذه الساعات وإجمام للقلوب، وحق على العاقل أن يعرف زمانه ويحفظ لسانه ويقبل على شأنه، وحق على العاقل أن لا يظعن إلا في إحدى ثلاث: زاد لمعاده، ومرمة لمعاشه، ولذة في غير محرم. وقد رواه أبو بكر بن أبي الدنيا، عن أبي بكر بن أبي خيثمة، عن ابن مهدي، عن سفيان، عن أبي الأغر عن وهب بن منبه فذكره. ورواه أيضا عن علي بن الجعد، عن عمر بن الهيثم الرقاشي، عن أبي الأغر، عن وهب بن منبه فذكره. وأبو الأغر هذا هو الذي أبهمه ابن المبارك في روايته. قاله ابن عساكر; وقال عبد الرزاق: أنبأنا بشر بن رافع، حدثنا شيخ من أهل صنعاء يقال له أبو عبد الله قال: سمعت وهب بن منبه فذكر مثله. وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة داود عليه السلام أشياء كثيرة مليحة منها قوله كن لليتيم كالأب